ثقافةصحيفة البعث

جوكر الكوميديا المصرية يرحل تاركاً إرثا فنيا غنياً

“أنا سعيد أوي، وفرحان أوي أوي، أنهم لحقوا يكرموني وأنا لسه عايش، والله بكلمكو جد.. عشان أفرح بالتكريم ده، وأنا وسطيكم لسه”!! عبارة مؤثرة قالها الفنان الراحل ‫حسن حسني قبل ستة أشهر عندما كرمه زملاؤه الفنانين ووصفوه بالأب الروحي للكوميديا في ‫مصر والوطن العربي خلال حفل أقيم ضمن فعاليات مهرجان نقابة المهن التمثيلية المسرحي في ‫القاهرة. فرح بتكريمه وسط أحبابه وشاهد محبتهم وتقديرهم بنفسه.

وفي الأمس رحل هذا الإنسان الطيب الذي دخل قلوب الناس دون استئذان، دخلها بفنه وطيبته وخفة دمه، لكن الموت غلبه بعد تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة. وحسن حسني لم يكن مجرد ممثل وإنما كان حالة فنية في روح إنسان يفتقدها كل شخص، زرع فينا الروح الجميلة وأضحكنا كثيراً.

لم تكن وفاته إشاعة مثل كل مرة وياليتها كانت كذلك، إنما حقيقة مرة غصت بها حلوق كل المتابعين لفنه ومحبينه، غادر تاركاً إرثاً فنياً مميزاً، وحزن الملايين على رحيله ولا عجب في ذلك، فقد ظل نهر إبداعه يتدفق لآخر لحظة بعدما شارك في الموسم الرمضاني الماضي في مسلسل “سلطانة المعز” وفي واحد من أواخر حواراته الصحفية وبعد شائعة سخيفة كاذبة عن موته قال: “موتونى للمرة العشرين مش عارف هما مستعجلين عليّ ليه؟، شائعة وفاتي أتعبتني نفسياً آذتني بشدة وكأنهم ينتظرون موتي على أحر من الجمر أخشى بعد كل هذه الشائعات ألا يسأل عني أحد بعد موتي، وأخشى بشدة عندما يأتي يومي ألا أصعب على الناس”.

توفي واحد من أهم نجوم الكوميديا، أمتع الملايين في الوطن العربي لأكثر من نصف قرن، ولقب بـ”غول التمثيل” و”جوكر” السينما والفنان ذو الألف وجه و”القشاش” كما لقبه الكاتب الراحل موسى صبرى لقدرته على أداء كل الشخصيات، لقد أبكانا معه في أغنية “أبويا” مع ياسر جلال، وأضحكنا في أدوار كثيرة على مدار سنوات عديدة، حقق النجاح في كل الأفلام التي شارك فيها، ومهما كان الفيلم من بطولة نجم من الصف الأول لكنه بالتأكيد لم يكن ليحقق النجاح لولا حسن حسني فكان “اللواء نجدت” في فيلم “الباشا تلميذ”، و”العم بخ” في فيلم اللمبي، وهو نفسه العم ضبش في فيلم “غبي منه وفيه”، و”حسنين الجبالي” و”الببلاوي” والأب الكوميدي في “عسكر في المعسكر” و”يا أنا يا خالتي” وهو نفسه ركبة القرداتي المطحون في فيلم “سارق الفرح” وأدوار أخرى عديدة أحببناه فيها كثيراً، هذا الرجل الذي أضحكنا كثيراً هو أيقونة النجاح لأي فيلم شارك فيه.

كان حسن حسني طيب القلب ويحب مساعدة الشباب الجدد وأي ممثل صاعد أراد النجاح في عالم التمثيل تمنى أن يكون العم حسن حسني يشارك معه في الفيلم لدرجة أن ياسر جلال كان يذهب إلى بيته حاملاً معه السيناريو ويقول له: “الفيلم مش هيكمل غير بيك يا عم حسن”.

حسن حسني الرجل الطيب صاحب الدم الخفيف بشكل غير طبيعي وتلقائي يجعل المشاهد متأكداً ومقتنعاً أنها شخصيته الحقيقية مثل الشاشة تماماً، وهو لم يبدع فقط في إضحاك الناس من خلال السينما وإنما أبكاهم في مشهده الدرامي بدور الصول شرابي في مسلسل “المال والبنون”، وكان أقدر على إبكائهم في دور الوالد المشرد في مسلسل “رحيم”.

ولد حسن حسني في 19 حزيران عام 1936 وبدأ حياته الفنية في الستينيات من القرن الماضي في المسرح، إذ تنقل بين مسرح الحكيم والمسرح القومي والحديث، ثم عمل في مسرح جلال الشرقاوي لمدة 10 سنوات تقريباً وكانت بدايته في السينما من خلال دور صغير بفيلم الكرنك 1975 حين لعب حسن حسني وعمره 44 سنة دور نادل في القهوة، ولم تطرق الشهرة أبوابه إلا بعد دوره في مسلسل عبد المنعم مدبولي “أبنائي الأعزاء شكراً” لعب حسني (48 سنة) دور سكرتير ليكون هذا أهم ما قدمه في الأربعينيات من عمره، ليقطع بعدها مشواراً فنياً حافلاً بالإبداع.

بداية حسن حسني الحقيقية كانت في سن 51 وهذه الشهرة قلما نشاهدها عند الفنانين الآخرين، حيث قدم دور “عوني” في رائعة عاطف الطيب “سواق الأوتوبيس” (1982) الدور الذي ساهم في إبراز قدرات هذا الممثل ووضعه تحت أعين مخرجي الواقعية الجديدة وتلاميذهم، ليعود ويقدم مع “الطيب” فيلم البريء (1986) ويشارك في مسلسل الزنكلوني الشهير (1987)، وقبلها مسرحية محمد نجم “اعقل يا مجنون” (1985) بعدها التفت إليه محمد خان سنة 1988 ليقدم معه “زوجة رجل مهم” في دور سكرتير الوزير، وفي مطلع الستينيات من عمره لعب دوراً في تحفة “رأفت الهجان” التلفزيونية في جزئها الثاني سنة 1990، ثم عاد عاطف الطيب للاستعانة بخدماته في فيلمه “الهروب” (1991) وصلاح أبو سيف في فيلمه “المواطن مصري” في نفس العام، وكل هذا طبعاً في أدوار صغيرة رغم أهميتها الدرامية، ورغم ذلك فقد شكل قامة من الصعب تكراراها، وفي النهاية لا يسعنا القول إلا وداعاً حسن حسني وشكراً على إسعادنا في كل مرة ظهرت بها.

جمان بركات