في منتصف العمر .. تمرد سلوكي على الواقع ..وانزلاق عشوائي في تجارب الشباب !
علامات وإشارات كثيرة أدخلت الشك إلى قلب سوسن التي لاحظت على زوجها تغييرات في الطباع والعادات فقد بدأ يعتني بمظهره ويبالغ في رش العطور ، هذا عدا عن مواظبته على ممارسة الرياضة وبات أكثر نشاطاً وحركة وكثير السهر، و طبعاً كل هذه المتغيرات كانت طبيعية لولا معرفتها بطباع زوجها الذي كان بحالة مغايرة تماماً لما كان عليه على مدار 15 عاماً من ارتباطهما حيث كانت تتشاجر معه من أجل هذه الأمور التي لم يهتم بها ابداً ..وبعد فترة من الزمن تأكدت من صحة هواجسها ومخاوفها فهذه المستجدات كانت برأيها تمثل ” جهلة الأربعين ” عند الرجل حيث كان زوجها يحاول استعادة الماضي وبناء علاقات جديدة مع النساء .
وما حصل مع سوسن يحصل مع جميع الزوجات فأزمة منتصف العمر، حسب علماء نفسيين يعانيها عدد غير قليل ممن هم في الأربعينيات من عمرهم، وهذا لا يعني أنهم يميلون إلى تغيير قصات الشعر أو ارتداء قمصان فاقعة اللون للتعويض عن السنوات الضائعة. وإنما يصاب الرجال بضغط نفسي كبير نتيجة شعورهم بقياس النجاح الذي حققوه في حياتهم من خلال قياسه بحصولهم على المهنة المناسبة والبيت والعائلة،. وقد صرح الأغلبية من الرجال أن أزمة منتصف العمر أصبحت مبكرة أكثر من ذي قبل، حيث يعتبرون أن عمر الأربعين نقطة تحول فاصلة، ويعاني 53 % منهم من عقدة النقص عند مقارنة أنفسهم بالأصدقاء الذين يحققون إنجازات كبيرة، وأزمة منتصف العمر ليست في حد ذاتها مرضاً ، ولكن مضاعفاتها يمكن أن تكون مرضاً.
نزوات عابرة
وفي هذه الأزمة يقف الرجل ويجري عملية محاسبة لنفسه عن ماضيه وحاضره ومستقبله ، وقد تبدو له سنوات عمره الماضية وكأنها كابوس ثقيل، أحياناً يشعر الرجل أنه يريد أن يبدأ صفحة جديدة من حياته ، ولكن ذلك يستلزم الابتعاد عن الزوجة و الأولاد و التحرر من قيودهم ، وبالفعل يبدأ بالتغيب كثيراً عن المنزل ويرتبط بمجموعة من الأصدقاء الجدد الأصغر سناً الذين يفتحون أمامه أبواباً متعددة للمتعة وقضاء الأوقات ، وكأن شبابه قد عاد ، ويبدأ بالاهتمام بنفسه ، ويبالغ في ذلك الاهتمام ، فالزوجات اللاتي التقيناهن حمّلن الرجال المسؤولية فيما يتعلق بأزمة منتصف العمر . ابتسام قالت:”إن المرأة ليست بمعزل عن المعاناة فهي لديها مشكلة سن اليأس،وما يرافقها من معاناة وإهمال من الزوج لها،وللأسف هناك أنانية مفرطة من قبل الرجال تقابلها عاطفة و تفهم من النساء لأزمته وفي النهاية ما هي إلا نزوات عابرة في حياة الرجل.وفي المقابل ليلى قالت:” إن أزمة منتصف العمر عند الرجال هي نتيجة حتمية لأزمة منتصف العمر عند النساء وهي رد فعلي على تصرفات النساء في هذا العمر ،حيث تقصير الزوجات وإهمالهن للرجال واعتقادهن أن المهمة انتهت بتربية الأولاد تربية صالحة، مما يؤدي إلى اهتزاز ثقة الرجل بنفسه ومحاولته الهروب من المنزل إلى أي مكان آخر يشعره بالأمان.و لعل المصارحة هي أكثر شيء مطلوب في هذه المرحلة.
هروب من المسؤولية
قليل من الرجال الذين يعترفون بمرورهم بهذه الأزمة ،وخلال سؤالنا العديد منهم عن مرورهم بها فإن قلة اعترفوا بها و معظمهم كانوا بررها بالظروف الاجتماعية والحياتية والاقتصادية، ” عدنان56 سنة”قال: إنه مر شخصيا بظروف مشابهة لما يحدث في أزمة منتصف العمر، لكن بفضل ثقافته وزواجه المتماسك وزوجته المتفهمة استطاع أن يتجاوز هذه المحنة، وأضاف “من الظلم ربط هذه الحالة بالأزواج فقط، فالكثير من الزوجات يعانين منها أيضا على الرغم من أن البعض يحاول تصويرها على أنها أزمة مرادفة لأزمة سن اليأس عند النساء.وعن تجربته قال:”بدأت أشعر بالضجر والضيق من التواجد في المنزل والغضب لأتفه الأسباب وتحول البيت عندي إلى فندق للنوم فقط،وأصبحت أحلم بالتحرر من المسؤوليات المترتبة علي معتقدا أن السبب في ذلك هي زوجتي التي انخرطت في روتين الحياة الزوجية المملة،ولكن سرعان ما اكتشفت أني على خطأ وأن السبب هو الرغبة في تغيير روتين الحياة بأكمله والتخلص من الشعور بالفراغ،أما الدكتورسمير”49 سنة” فقال:”مررت شخصيا بعاصفة من الأسئلة الداخلية في سن الأربعين كانت تدور حول أسرتي وحياتي الشخصية،وهل أنا مقتنع بمواصلة الحياة على هذا النحو وخصوصا أن زوجتي ليست عربية أم أنني بحاجة إلى تغيير ،وليس بالضرورة أن يعني التغيير الطلاق أو الزواج مرة أخرى ،لكن يمكن أن يكون تغييرا كليا لنمط الحياة ،وهذا ما قمت به بالفعل لكسر الروتين .
صراع الأزواج
أغلب حالات الطلاق التي تقع بعد سن الأربعين ترجع إلي العزوف العاطفي وبحث الزوج بصفة خاصة عن امرأة أخرى تلبي احتياجاته النفسية و البيولوجية،ونطلق على هذه الفترة من المنظور الاجتماعي دورة الحياة وهي مرتبطة بالعمر ومدى الانجاز الذي حققة الإنسان في حياته ،حسب رأي الاختصاصي بعلم الاجتماع “مروان عبد الهادي”،مضيفا أن أزمة منتصف العمر تختلف من شخص إلى أخر طبقا للظروف التي يمر بها فبالنسبة للمرأة كان من الممكن سابقا أن تشعر بها و ذلك لعدم وجود دور لها في الحياة سوى الإنجاب وتربية الأطفال فكانت تشعر بيأس وأزمة نفسية عند بلوغها سن اليأس ، أما الآن فالمرأة اكتسبت معرفة اجتماعية جعلتها قادرة على القيام بعدة أمور تشعرها بكينونتها وجمال كل مرحلة تمر بها، وكذلك بالنسبة للرجل فالرجل سابقا في فترات الاستقرار كان يبحث عن تجديد شبابه وإبعاد الملل عن حياته خصوصا أنه يوجد الآن وعي لدى النساء بضرورة الاهتمام بمظهرهن والابتعاد عن حياة الملل الزوجي، فهدا الجيل استفاد من الجيل الذي سبقه،وأشار عبد الهادي إلى أنه ، و للأسف ، نجد الأب والأم في حياتنا في صراع منذ زواجهما وحتي زواج الأبناء بل يستمر الصراع بعد زواج الأبناء ليحمل الآباء مشاكل الحياة الزوجية لأبنائهم على عكس ما يحدث في أوروبا حيث الآباء غير مسؤولين عن حياة أبنائهم وتعليمهم وإيجاد وظائف لهم وأيضا تزويجهم ،فحياتنا كلها تحديات ونحن بذلك نعتقد أن حياتنا تنتهي بانتهاء التحديات مع أنها من المفترض أن تبدأ ،فلا يوجد لدينا كأفراد حياة متوازية نلجأ لها عند الحاجة ، والإنسان عندما ينتهي من التحديات والصراعات يكتشف أنه لم يصنع لنفسه حياة خاصة فيها ميوله واتجاهاته ، و بالتالي فمن الطبيعي أن يمر بأزمة وغالبا تحدث للرجال بعد سن الأربعين
عدم النضج
اعتبر الدكتورة ديما صبحي “اختصاصية بالأمراض النفسية”أن هذه الأزمة ناتجة عن عدم النضج العاطفي، وهذه الحالة تحتاج إلى طبيب نفسي كي لا تتفاقم وتؤدي إلى وقوع الرجل في مشاكل هو بغنى عنها، لاسيما أن الواقع يؤكد أن التجارب التي يخوضها الرجال خلال مرورهم بهذه الأزمة لا يكتب لها النجاح، وعن أعراض مرور الرجال بأزمة منتصف العمر أوضحت لنا صبحي أن الرجل يمر بحالة من التوتر المستمر يرافقها شعور بالغضب ويثور لأتفه الأسباب ويميل إلى خلق المشاكل،مُوهما نفسه بأن الحياة انتهت مما يسبب ردود فعل أخرى،كالرغبة بالوحدة أو يقوم بتغييرات جذرية على مظهره الخارجي…متخلفا تدريجيا عن مسؤولياته تجاه بيته ويتخذ قرارات عشوائية فيما يتعلق بالتصرف بأمواله أو على الصعيد المهني.وفي النهاية هي محاولات لترقيع الذات كما اسميها ،فإذا استغلت الزوجة هذه الظواهر و أحسنت توظيفها لصالح العلاقة الزوجية سوف تربح الكثير ، وقد يحدث العكس ، فتنهار الأسرة،و بإمكان الرجل الاستعداد لمواجهة هذه الأزمة قبل حدوثها من خلال تحقيق إنجازات حقيقية راسخة ومتراكمة في مراحل الشباب ، وأن يكون في حياتنا توازن بين عطائنا لأنفسنا وعطائنا للآخرين حتى لا نكتشف في لحظة أننا ضيعنا عمرنا من أجل إنسان لم يقدر هذا العطاء بل تنكر له وجحده في غمضة عين.
ميس بركات