في لعبة الأسواق.. تباين في الأسعار و ارتفاع مستمر.. و المواطن يستغيث!
هو الحاضر الدائم في أغلب أحاديثنا، شاغل البال ومتعب الحال، لا يجتمع اثنان إلا ويكون موضوع الأسعار وارتفاعها أو انخفاضها محور حديثهما، فلا تكمن المشكلة فقط في ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة وأغلب المواد الغذائية، بل في تباين أسعارها تبعاً للمكان الذي تباع فيه، فالبندورة تلك المادة التي لا يخلو منزل من تواجدها في كل منطقة لها سعر معين، فحي الشعلان له أسعاره الخاصة التي تختلف عن باقي الأحياء تحت ستار “الأكابرية” من جهة الناحية الاجتماعية، والتصنيفات المخملية، وارتفاع قيمة الضرائب من جهة أصحاب المحلات الذين يعملون على دفع كل ما يتوجب عليهم من جيوب الناس، أما تلك الأحياء بحواريها الضيقة وبيوتها المتواضعة فقد تقل الأسعار فيها ربما تعاطفاً مع قاطنيها، أو تحقيقاً لسياسة تسويقية مجدية لتصريف البضائع، لكن ذلك لا يلغي حقيقة تمردها في الكثير من الأحيان، وجنوحها نحو الارتفاع غير المقبول الذي يكسر قواعد لعبة المنافسة السعرية بين المناطق، ويخلط أوراقها في رهانات رابحة للتجار ومخسرة للمواطن بكل تأكيد، فهل يمكن تبرير هذا التباين في الأسعار بين منطقة وأخرى؟ وما هو موقف المعنيين من هذا التباين؟.
حماية المستهلك
وحول التباين في الأسعار تؤكد مديرية حماية المستهلك في تصريحات عديدة بأن تباين الأسعار بين منطقة وأخرى هو أمر مرفوض، فمدينة دمشق مثلاً تصدر عنها عدة أسعار لعدة نشرات التي هي الخضار والفاكهة والبيض، فهذا التسعير المكاني تصدره المديرية تبعاً للدراسات التي تقوم بها بمشاركة الجهات المعنية حسب نوع المادة، ففي حالة الخضار والفاكهة، تتم المشاركة مع وزارة الزراعة والخزن والتسويق، فالتسعيرة تكون عامة في كافة المحافظات، ولا فرق بين شارع وآخر أو منطقة وأخرى، وهذه النشرات وغيرها فيما يتعلق بكافة المواد الغذائية من فول وحمص وغيرها من المفروض أن يتم الالتزام بها في كل محافظة، ولا تصدر إلا بموجب الكلفة، وهذه الكلفة تصبح ملزمة للتطبيق، وهنا يأتي دور حماية المستهلك عن طريق نشر مراقبين دائمين في الأسواق للتأكد من تقيّد البائعين بالنشرات الأساسية.
بين منطقة وأخرى
هموم اعتاد عليها وتأقلم مع وجودها المواطن الذي بات الحلقة الأضعف في لعبة الأسواق، فما عادت الصدمات تؤثر به، فإن قلت له ارتفعت الأسعار ما عاد يستغرب الأمر، ومن الملاحظ أن ملاحقة الأسعار ومعرفة تفاصيلها أمر يهم السيدات أكثر، فهن على احتكاك مباشر مع أسعار الخضار والفاكهة، فأم رياض تخرج كل صباح من منزلها في حي الدويلعة متجهة إلى سوق الخضار، ومهيئة نفسها لكل الاحتمالات، فطبختها اليومية تحددها تلك اللافتات الصغيرة التي تعلن الأسعار، وحسب قولها: هناك بعض الأنواع من الخضار يمكن الاستغناء عن وجودها في المنزل، ولكن من المحال لأنواع أخرى أن نستغني عنها يومياً، فالبندورة عندي أهم من الموز، أما اختلاف الأسعار من مكان لآخر فهو أمر يقلق راحة المواطن دائماً، ولذلك ترى الأسواق الشعبية الآن مكتظة بكافة شرائح المجتمع، حتى إن الميسورين يقصدونها لأن الأسعار فيها تكون عادة أقل من غيرها.
وحتى لو كانت إيجارات المحال التجارية في بعض المناطق مرتفعة عن غيرها فهذه المبررات غير مقنعة ولا تسمح لصاحبها أن يضع الأسعار كما يحلو له متناسياً النشرات المحددة التي تلزمه مديريات التجارة بها.
بعض الضمائر الحية
دائماً نلتقي بأشخاص يزرعون في حياتنا الأمل، ويحاولون دائماً إقناعنا بأن الأمور مازالت على ما يرام، فأبو هاشم بائع ملتزم بالتسعيرة الأساسية دون زيادة أو نقصان، وقد تكون عربته التي يجرها يومياً متنقلاً بها من مكان لآخر أفضل من مئات المحلات التجارية التي تضع الأسعار كما يحلو لها.
أبو هاشم وعربته صديقان لا يفترقان، فهي مصدر رزقه الوحيد لا يحمّلها الخضار والفاكهة فقط، بل يزيدها بهمومه وقصصه كل صباح، فهي المنصت الصامت له، يمشي بها متجولا بين أحياء دمشق دون أن يبالي إن كان في القصور أو في الدويلعة، فكلاهما عنده سواء، وقد يتقصد أحياناً أن يمر في المناطق التي تشهد ارتفاعاً غير مبرر للأسعار من قبل الباعة بحجة أن طبيعة المنطقة تفرض ذلك، ولعله يقارن أحياناً بين ما تحمله عربته المتواضعة من خضار قل ترتيبها، وتلك المتربعة في أماكن مخصصة ومصنفة بشكل لائق، لتراوده عشرات الأفكار، فكلاهما من النوع نفسه، وكلاهما نوعان صالحان للأكل، ولكنها النفس البشرية تلك التي تختلف وتقرر التزامنا أو عدمه في كل نواحي الحياة.
وفي حي “أبو رمانة” تشعر وكأنك في كوكب آخر، كل الأشياء لها أسعار تختلف عن بعض المناطق، حتى الملابس تطبع بالطابع نفسه، ولو فكرت أن تسأل عن السبب لكانت الإجابة ببساطة هذه منطقة “أبو رمانة”.
مناطق مرغوبة أكثر
ومن اسم المنطقة تستطيع أن تحدد طبيعة الأسعار بين ارتفاع وانخفاض، نهلة، الطالبة في كلية التربية، لا تقصد إلا أماكن محددة للتسوق وشراء ملابسها وحاجاتها، تبتعد قدر المستطاع عن الأماكن الغالية في أسعارها، مركزة كل توجهاتها نحو المناطق التي ترأف بحال المواطنين، محددة أغلب جولات تسوقها في أوقات التنزيلات، حيث تباع القطع بنصف حقها أو أكثر قليلاً، وتمتلئ الشوارع بالعروض والحسومات التي يتنافس الباعة على زيادته، ولعل السائد في هذه الأيام السير في الشوارع، والاكتفاء بالنظر إلى الواجهات التي تغص بأوراق كتبت عليها الأسعار، لتبدأ مرحلة إطلاق الأحكام بين غال ومقبول إلى حد ما، وربما تكون العودة إلى المنزل فارغ اليدين هي النتيجة التي تجمع بين الكثير من المتسوقين أو المتجولين في الأسواق، ولا شك أن الأسعار المتغيرة بسرعة باتت أهم مصادر قلق الناس، ومصدراً أساسياً لمتاعبهم، فهل من حلول ؟.
التحقيقات