عبد اللطيف خطاب.. البدوي الذي اختطفه الموت مبكرا!
ربمّا لم يكن عبد اللطيف خطاب معروفاً على نطاق واسع، فهو واحد من الأسماء التي ضمها ملتقى جامعة حلب في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. هؤلاء تركوا أثراً على الصعيد العربي، كانوا يلتقون في كافيتريات الجامعة صباحاً، وفي مقهى القصر ظهراً، وليلاً يحتويهم المقصف العمالي الذي يقع في المنشية القديمة. وقد جمع من حوله كثيراً من الشعراء وكتاب القصة، ومن لفّ لفهم، وضمّ أهم الأسماء كان منهم: حسين درويش ومحمّد فواد وحسين بن حمزة وكثيرون غيرهم.
عبد اللطيف خطاب وُلِدَ مريضاً، أو ربمّا أصيب بمرض وأهمل في طفولته، وهذا ما سبب له كثيراً من الأمراض منذ طفولته المبكرة حتى آخر أيام عمره، وقد أجرى عملية قلب مفتوح، في “فارنا” بلغاريا، يقول في ذلك: “لقد شاهدت البحر الأسود قبل أن أرى البحر المتوسط”.
وُلِدَ الشاعر عبد اللطيف خطاب عام 1959 في منطقة تدعى تل السمن، شمال مدينة الرّقة، وهي تبعد عن المدينة 30 كم، على ضفاف نهر البليخ، وأتمّ دراسته الثانوية في مدينة الرقة، ثم إلى جامعة حلب حيث سجّل في كلية الاقتصاد قسم إدارة الأعمال، وكان له حضوره في ملتقى الجامعة بالإضافة إلى الحوارات التي كانت تتم في مقهى القصر.
طبعت له دار الريّس ديواناً شعرياً، في ذلك الحين، تحت عنوان “زول أمير شرقي”، ديوانه الوحيد. يحفل “زول أمير شرقي” بالنظرة الذاتية إلى العالم ويتجاوز المعطى المتداول في الكلام، حيث يستخلص الشاعر لذاته كوناً شعرياً شديد الغنى والتنوع، وحيث يسيطر عليه الموت بطريقة لا شعورية، وكأنه يعرف أنه سيموت غداً، إنّه يهزأ بالموت، وأنجب ابنته “لين” التي أثبتت انتصاره على المرض والموت.
إنّ الشاعر يتمتع بخيال خصب، مع انطلاقة استثنائية، يخترق بها حجب الكلام، وهي تحمل دلالات غير مطروقة غالباً، إنّه يمتلك هذه الفانتازيا الشعرية ليبني فضاءه الشعري ومناخه المفضل، إنّه يحطم ويخلق لغة جديدة، مليئة بالسخرية والإدهاش، ومن أولى صفاتها “الملحمية” إنّه يجعل منها مسرحاً للتناقض، ويعود بالقصيدة إلى لغة جاهلية تحفل بمواضيع عصرية، إنّه يسعى إلى اكتشاف حضوره في العالم واللغة، يقول:
تعاوره ذاكرة الطفل
الذي ما خلقته إلا لتمجيد الفناء، ووهبته الموت وإسدال
المسح الجنائزي على الأوراق المهشمة، إليك النشيد.. النشيد..
طفل مندهش من هذا العالم، يأتي بالجرائد تحت إبطه، ويبدأ الأصدقاء يقلبونها ويضحكون، ينظر إليهم ويستجير من الرمضاء بالنار، صاغ من ألمه نصاً شعرياً ولا أجمل، يتمتع بسخرية عجيبة، وعنده مخزون ثقافي هائل، وظف التراث لنص حداثي، فيه بداوة الشاعر، وطقوسه عندما ينزل إلى المدينة، ولا يمكن الحديث عن ملتقى جامعة حلب، دون الحديث عن عبد اللطيف خطاب وحضوره.
إنّه يتأبط مخطوطة “الغرنوق الدنف” وهي قصيدة أشبه بسيرة مكتوبة على رقيمات طينية ترثي شعوباً وأمكنة خارجة للتوق إلى الماضي، قصيدة حالكة السواد، وكأن أبطالها يخوضون حروباً جاهلية وهم يسقطون في الفراغ اللانهائي، يقول:
فتحت باب المراثي، وما مجدتك المراثي
وأثقلت نفسها بالمعاني النقيضة
وما برحت تشفي غليل الجنائز
تقول المراثي، وما رثتك الروح
فانبثق الرمل لتمجيد الأحجار البابلية، لشدو الروح، وتمجيد الصخور
مات عبد اللطيف خطاب، الشاعر المثقف، وعلى فراش الموت في دمشق، كان يسأل الذين يزورونه عن النشاطات الثقافية. كان يعرف أنّهم لن يروه مرّة ثانية، إنّها ساعة الوداع، توفي يوم السبت في 21/11/2006. مات ليس بداء القلب، بل تحت التخدير أثناء إجراء عملية في المثانة، ودفن في تل السمن في الرقة.
أنهى عبد اللطيف خطاب دراسته في العام 1984، وعاد إلى الرقة ليعمل محاسباً في مؤسسة الأدوية “فارمكس” لكنه ظل يتردد على حلب ومقاهيها ومقاصفها ومطاعمها.
ترك الشاعر كتاباً عن تاريخ الكرد ومونودراما يتيمة، وله: “الغرنوق الدنف” و”شعر الرمل” و”ترجمان النوم”، وهي مخطوطات ظل الشاعر يتأبطها مع مجموعة من الجرائد كلما دخل المقهى.
فيصل خرتش