ترامب يتراجع والمتظاهرون يرفعون سقف مطالبهم
رغم تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تصريحاته السابقة بشأن الاستعانة بقوات الحرس الوطني لمواجهة التظاهرات التي تعم العديد من الولايات المتحدة، وتأكيده أنه لن يحتاج إلى الاستعانة بقوات الجيش للتصدي لما يصفه بـ “التمرد”، استمرت الاحتجاجات المناهضة للعنصرية وعنف الشرطة الأمريكية، ورفع المتظاهرون سقف مطالباتهم، ودعوا إلى إعادة تأهيل رجال الشرطة، ولا سيما مع تكرار الحوادث المشابهة لحادثة فلويد.
وخرج مئات آلاف الأمريكيين في ولايات مختلفة، بحسب ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست، احتجاجاً على جريمة قتل المواطن الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد الشرطة، وللمطالبة بإحقاق العدالة له ولعشرات الأمريكيين المتحدرين من أصول عرقية مختلفة، الذين قضوا نتيجة عنف الشرطة والتمييز العنصري.
وشهدت ولايات نيويورك وواشنطن وفيلادلفيا ولوس انجلوس احتجاجات سلمية كبيرة، فيما رفعت بعض المدن حظر التجوال، الذي فشل في الحد من رقعة المظاهرات.
واعتقلت السلطات الأمريكية أكثر من عشرة آلاف شخص خلال الاحتجاجات، وذكرت أسوشيتد برس أن لوس أنجلوس شهدت نحو ربع الاعتقالات، تليها نيويورك ودالاس وفيلادلفيا، فيما استخدمت شرطة نيو أورليانز الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.
وفي واشنطن، تمّ استقدام قوات إضافية لتعزيز الحراسة في محيط البيت الأبيض، وذلك بعد اجتماع جمع ترامب بوزير الدفاع مارك اسبر، وأعلن الأخير أن نسب المتظاهرين من ذوي البشرة البيضاء تفوق نسب المتظاهرين من أصول أفريقية.
ووجه الادعاء العام في ولاية مينيسوتا الأميركية تهمة القتل من الدرجة الثانية لضابط التوقيف في واقعة جورج فلويد وتهمة المساعدة والتحريض على القتل إلى ثلاثة عناصر شاركوا في الحادثة، فيما أكد السناتور الديمقراطي بيرني ساندرز ضرورة التصرف بجرأة من أجل القضاء على العنصرية النظامية وعنف الشرطة، ودعا إلى إصلاحات شاملة للسياسة لحماية الناس، ولا سيما الأقليات العرقية التي عانت من العنف لفترة طويلة جداً، ولإنهاء العنصرية.
وشن وزير الدفاع الأميركي السابق جيم ماتيس هجوماً غير مسبوق على ترامب متهماً إياه بالسعي إلى تقسيم الولايات المتحدة، وقال: “دونالد ترامب هو أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الأميركيين بل إنه حتى لا يدعي بأنه يحاول فعل ذلك”، مضيفاً “بدلاً من ذلك هو يحاول تقسيمنا”.
وكانت العديد من الصحف الأمريكية أكدت أن ترامب فشل مجدداً في مواجهة وحل المشاكل المزمنة والمتراكمة التي تشهدها الولايات المتحدة.
وأدان مجلس السلام العالمي جريمة قتل فلويد بدم بارد، مؤكداً أن قتل مدني أعزل ليس الحالة الأولى والوحيدة في الولايات المتحدة الأمريكية بل هو تاريخ طويل من العنصرية، وأوضح في بيان نشره على موقعه الإلكتروني أن الشرطة الأمريكية أزهقت حياة أكثر من 1000 شخص في كل عام على مدى عقود عديدة أغلبهم من الأمريكيين الأفارقة وغيرهم من الأقليات، وشدد على أن غضب الشعب الأمريكي والاحتجاجات الحاشدة في أكثر من 75 مدينة في الولايات المتحدة ليست فقط دليلاً على مشاعر الناس تجاه عنف الشرطة الذي استمر عقوداً من الزمن بل هي نتيجة الاستياء الهائل من الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة باستمرار لأغلب السكان. وأكد البيان أن إدارة ترامب تحاول صرف انتباه الناس عن حقيقة أن هذه الاحتجاجات الضخمة هي أيضاً نتيجة فشل تلك الإدارة في التعامل مع وباء كورونا “كوفيد 19” والبطالة الهائلة لأكثر من 40 مليون عامل وخاصة الأمريكيين الأفارقة الذين يكافحون من أجل البقاء يوماً بعد يوم.
وبين البيان أن قوى المؤسسة السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة تحاول إخفاء الأسباب الجذرية لعمليات القتل التي ترتكبها الشرطة في خضم أزمة جائحة وبطالة هائلة، لافتاً إلى أنها أسباب تنبع من الطبيعة العنصرية والقمعية للنظام نفسه، وهم يخشون الفهم الأعمق الناشئ من جانب الناس للطبيعة الحقيقية للحكم الرأسمالي في بلدهم، وأشار إلى أن الأزمة تزداد عمقاً كل يوم نتيجة لتصريحات وخطاب الرئيس ترامب الذي يشجع الشرطة على إطلاق النار والاعتقالات ويهدد باتخاذ إجراءات علنية من قبل الجيش في البلاد.
وفي ختام البيان أعرب المجلس عن تضامنه مع الشعب والأقليات العرقية والاثنية المضطهدة في الولايات المتحدة في نضالها من أجل إنهاء جميع أشكال الاستغلال والعنصرية.
وتعاطى ترامب مع الاحتجاجات واسعة النطاق، التي أعقبت مقتل فلويد، بشكل غير فعال، بل وأجج الاحتجاجات، حيث وصف المتظاهرين بالبلطجية وهدد بإطلاق النار عليهم واستخدام القوة العسكرية غير المحدودة ضد المظاهرات.
في الأثناء، أظهر شريط فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي ضابط شرطة أميركياً بمدينة ساراسوتا جاثياً على رقبة شخص من أصل إفريقي عقب اعتقاله، في مشهد يشابه طريقة مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة في مدينة مينيابوليس، والتي أججت احتجاجات واسعة في مختلف الولايات الأميركية. وذكرت شبكة “سي إن. إن” الإخبارية الأميركية أن شريط الفيديو، الذي تبلغ مدته دقيقة ونصف والتقطه عابر طريق في الـ 18 من أيار الماضيـ يظهر ثلاثة من ضباط الشرطة وهم يعمدون إلى اعتقال باتريك كارول ليظهر أحدهم فيما بعد وهو يجثو على رأسه ورقبته، وأشارت إلى أن كارول، الذي “اعتقل بتهمة العنف المنزلي”، سمع وهو يصرخ “لماذا تم اعتقالي أوضحوا لي السبب؟!”، بينما كان الضابط يجثو على رقبته.
وقالت شرطة ساراسوتا في بيان لها: إنها لم تعلم بشأن هذا الفيديو حتى يوم الاثنين الماضي عندما أشير لها في منشور عبر الشبكات الاجتماعية يظهر فيه جزء من عملية الاعتقال، وأشارت إلى أنه بعد مراجعة مقطع الفيديو جرى فتح تحقيق داخلي فوراً، وحصل الضابط المتورط في الحادث، ولم تذكر اسمه، على إجازة إدارية، فيما لم توضح الشرطة ما إن كان سيواجه الضابطان الآخران اللذان تمت مشاهدتهما في الفيديو أي إجراءات تأديبية.
وتمثل هذه الحادثة جزءاً من الممارسات القمعية التي ترتكبها الشرطة الأميركية بحق المواطنين من أصول إفريقية، والتي كان آخرها مقتل فلويد.