ميليشيات أمنية “موازية” لخدمة مشروع بقاء أردوغان
جرّد نظام أردوغان، أمس الخميس، ثلاثة نواب في البرلمان من الحصانة البرلمانية، فيما تُخيّم على تركيا مخاوف من حملة قمع ممنهجة ضد خصوم رئيس النظام، الذي لم يكتف بتطويع الأجهزة الأمنية لخدمة طموحاته السلطوية فحسب، بل عمد إلى الدفع إلى تعزيز صلاحيات جهاز أمني شبه نظامي، قوامه 28 ألف عنصر من الميليشيات، وسط قلق أحزاب المعارضة والهيئات الحقوقية من ولاء تلك القوة لأردوغان وحزبه وليس للدولة.
ومن المقرّر أن يطرح النظام التركي مشروع قانون في البرلمان، الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية، لتعزيز صلاحيات قوة “الحراس”، فيما يتوقّع أن يحصل على مصادقة البرلمان، لتكون قوة داعمة لأذرع النظام الأمنية والقمعية ضد المحتجين.
وستتمتع قوة “الحراس” بسلطات جديدة، من ضمنها إجبار الأتراك على إظهار هوياتهم، وتنفيذ عمليات تفتيش ذاتية، فيما سيتلقى أفردها تدريباً على استخدام الأسلحة النارية، وكذلك تأهيلاً حول احترام حقوق الإنسان، إلا أن المعطى الأخير بلا أهمية تذكر في تركيا، التي شهدت ولاتزال أسوأ حملة قمع على الإطلاق منذ محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان في صيف العام 2016.
ووظّف أردوغان قانون الطوارئ وقانون مكافحة الإرهاب، واللذين فرضهما بعد محاولة الانقلاب، في تضييق الخناق على الحريات وفي قمع معارضيه، حيث تعج السجون التركية بالعشرات من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي.
وتنظر دول وهيئات أوروبية لممارسات النظام التركي بريبة كبيرة، مع توظيفه إمكانيات ومقدرات الدولة في خدمة أجندة حزبية وطموحات سلطوية شخصية على حساب تركيا الدولة وعلى حساب الشعب التركي، فيما تتساءل أوساط تركية عن حاجة النظام لتوسيع صلاحيات قوة “الحراس” ما لم يكن يخطط لتعزيز قبضته الأمنية وترهيب خصومه.
وتعرّض نشطاء أتراك في السنوات الماضية للضرب والتعذيب والسحل في الشارع على أيدي عناصر أمنية موالية للنظام، أغلبهم بزي مدني، فيما تعرّضت مقرات ومكاتب وسائل إعلام معارضة للنظام للاقتحام وتخريب ما فيها من معدات ومصادرة ممتلكات.
ويعكف حزب أردوغان على إعداد مشاريع قوانين تصب كلها في خدمة الطموحات السلطوية لأردوغان، والأجندة الحزبية الأيديولوجية، مستغلاً هيمنته على البرلمان لتمرير تلك المشاريع، فإلى جانب التحرّك لشرعنة القمع وتوسيع صلاحيات قوة الحراس، يعد قانوناً جديداً تحت “قانون الأخلاقيات في السياسة”، بالإضافة إلى تعديل لقانون الأحزاب السياسية في تركيا.
وهذا الحراك أو التحرك المحموم باتجاه إنتاج معايير سياسية على مقاس أردوغان تحت غطاء قانوني، يستهدف بالدرجة الأولى الإعداد للمعركة الانتخابية القادمة، وسط مخاوف من التكتلات والتحالفات السياسية والحزبية، التي نشأت مؤخراً مع انشقاق قادة من مؤسسي العدالة والتنمية عن أردوغان وتأسيس حزبين الأول بقيادة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أغلو والثاني بقيادة الوزير السابق علي باباجان وكان كلاهما من أقرب المقربين من أردوغان.
يأتي ذلك فيما جرّد أردوغان، أمس الخميس، ثلاثة نواب في البرلمان من الحصانة البرلمانية، فيما أكد زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كليتشدار أوغلو، على تويتر، أن ذلك يتعارض مع الرغبة الوطنية، و”نحن سنواصل معركتنا الداخلية من أجل تحقيق العدالة والقانون والحق”.
من جهته قال ساروهان أولوتش، نائب رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، في خطاب بالبرلمان، “إن هذا سحق وسرقة لإرادة الناخبين والشعب التركي”.
وجرّد نظام أردوغان كلاً من ليلى جوفين وموسى فاريسوجولاري من حزب الشعوب الديمقراطي وأنيس بربراوغلو من حزب الشعب الجمهوري من حصانتهم البرلمانية، بعد أن أدانت محاكم الاستئناف بربراوغلو بذريعة الكشف عن أسرار حكومية وجوفين وفاريسوجولاري بزعم ارتباطهما بحزب العمال الكردستاني.
وكان محرم أينجا، المرشح السابق لانتخابات الرئاسة التركية التي جرت في عام 2018، أكد، في وقت سابق، أن أردوغان شخص فاسد دمر البلاد في جميع المجالات وحول النظام في البلاد إلى نظام استبدادي ديكتاتوري وفاشي ووحشي.
وقال أينجا: “حتى إذا تركنا جانباً مغامرات أردوغان الخطيرة وفشله في السياسة الخارجية، والتي خلقت لتركيا الكثير من المصاعب والمشكلات المعقدة، نجدّه حول النظام في البلاد إلى نظام استبدادي ديكتاتوري وفاشي ووحشي، بعد أن سيطر على الجيش والمخابرات والإعلام والقضاء، الذي تحوّل إلى أداة يستخدمها ضد معارضيه، الذين يلاحقهم في كل مكان، لأنه شخص فاسد ولم يعد له أي صديق فقد غدر بأقرب المقربين منه”، وشدد على أن أردوغان قام بتدمير كل القيم الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والدينية، وأضاف: “هذا النظام فاسد بكل المقاييس والمعايير وهو عدو الشعب بكل فئاته، باستثناء أولئك المستفيدين والمتنفعين منه، وقد دمّر الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية، حيث تقوم تركيا بأراضيها الغنية باستيراد معظم المواد الزراعية والمنتجات الحيوانية”، ولفت إلى أن أردوغان دمر الاقتصاد برمته وأوصل البلاد إلى حافة الإفلاس، وذهب يستجدي 35 دولة، ولكنها لم تقرضه دولاراً واحداً، لأنها لا تثق به وبقضائه ونظامه السياسي وسلوكه الشخصي “ما اضطره للتوسل إلى صديقه الأمير القطري الذي أقرضه 10 مليارات دولار ولكن بسعر خيالي هو 12.5 ليرة للدولار الواحد، علماً أن قيمة الدولار في السوق الداخلية 6.8 ليرات تركية”.
يذكر أن أينجا كان مرشّح المعارضة في الانتخابات الرئاسية في حزيران 2018، والتي فاز فيها أردوغان بنسبة 52.4 بالمئة، حيث أكدت المعارضة آنذاك أن أردوغان قام بتزوير النتائج.