ثقافةصحيفة البعث

وطن الحكاية في قصص الأطفال

“أصبح هذا المكان نقياً ومشعاً بالنور، الغراب لا ينعق في دلمون، والحجل لا توصوص، والأسود لا تفترس أو تقتل أحداً، والذئب لا يلتهم الحمل الوديع”، بهذه الكلمات وُصفت أرض ديلمون المقدسة في أسطورة جلجامش.

كان ومازال هناك في المقدمة تمهيد مهم لفهم الأجواء المحيطة بالبطل، يتلخص في سؤال مهم وكبير: أين ولدت الحكاية؟ ما المميز في هذا العالم الذي نسعى لدخوله وفهم مكنوناته من أجل التعرف على تفاصيل أرض البطل وموطن الحكاية؟ أين يقع هذا المكان؟ وما هي حدوده؟ وكيف تبدو جغرافيته وتضاريسه؟ هل هو على سطح المريخ في محطة فضائية متخيلة لقصة بطل من أبطال الخيال العلمي المحفز لذهنية طفلنا على الخيال الهادف؟ أم في غابة بعيدة لم تمش عليها قدم إنسان، حيث تعيش مجموعة من المخلوقات الصغيرة الزرقاء اللون (السنافر) كما أبدعتهم مخيلة الفنان الفرنسي بيور، والذين يسكنون أرضاً مزروعة بالفطر الجميل وقد اتخذوا من هذا الفطر منازل يسكنوها ويحمونها بكل ما يملكون من ذكاء وسحر؟ أم هي كالمقدمة التمهيدية التي ابتدعتها مخيلة رسام القصص أوديرزو لتكون مفتاحية لكل مغامرات بطليه أستريكس وأوبيلكس في كتب القصص المصورة الخاصة به، تبدأ دائماً من مشهد بانورامي عام للقرية الغاليّة (نسبة إلى بلاد الغال) المحاصرة من قبل الرومان، ورمزية الصورة تدل دائماً وأبداً على قوة وبسالة الصمود في وجه الغزاة الرومان، وكان الطفل المتلقي دائماً ما يشعر بالفرح الغامر وهو يستعرض تلك القرية المبنية من أخشاب الغابة القريبة وهي تصد موجات وخطط ومكائد قادة الفيالق الرومانية بطريقة كوميدية ضاحكة.

استمع للأغنية الإفريقية في الخلفية التي تستعرض مشاهد الدخول في فيلم (الملك الأسد) لوالت ديزني ستجد استعراضاً متقناً للعالم الذي سيولد فيه البطل سيمبا.. براري إفريقيا وصحاريها، ليختتم بتجمع الحيوانات أمام عرش الملك “صخرة العزّة”.

تلهب الأفئدة تلك الجملة التي تصف الأرض التي حدثت فيها قصة إسماعيل ابن إبراهيم النبي: وادٍ غير ذي زرع…

كل تلك المواطن وأمثالها تعطيك لمحة عن أهمية الوطن الذي ستولد فيه الحكاية.

الهوية المحلية السورية.. أين؟

إذا ما أردنا أن نتجه لخصوصيتنا السورية، فلنسأل أنفسنا وكتّابنا وفنانينا المتوجهين نحو ثقافة الطفل: أين هي سورية التي نحب ونعشق وننتمي لها في الحكاية واللوحة الطفلية؟ وإن كانت هناك تجارب مهمة ورائدة نوهت بحب الوطن الجميل وبروحانيته فلماذا لم تكرس وتصبح بنداً رئيسياً في مشروع متكامل لتحبيب الأطفال وتعلقهم الواعي والملهم بهذه الأرض الكريمة ذات الحضارة المغرقة في أصالتها؟

مجلة (أسامة) بريادتها مجال ثقافة الطفل منذ أكثر من خمسين عاماً كانت ومازالت تستقطب وتستكتب مواضيع تهتم بالهوية السورية المحلية وإبراز وجهها الحضاري، ومثال عملي على هذا الكلام كان باب من سورية الذي تحدث للأطفال عن المحافظات السورية، بكل ما تحمله من روح وتفاصيل وعبق وحضارة وكتبه كتّاب متنوعون، وكان تجربة رائدة لا بد من تكرارها وتعميمها، لتصبح قاعدة انطلاق نحو المزيد والمزيد.

سورية كل شيء

في مشهد آسر للفنان السوري الأصيل والمشبّع بسوريته، غسان مسعود، في فلمه العالمي (مملكة السماء)، بدور الناصر صلاح الدين، وقف في مواجهة الفنان أورلاندو بلوم (في دور باليان) حين سأله: ماذا تعني لك القدس؟ فأجابه: “لا شيء”.. ثم سار للأمام عدة خطوات، والتفت ليكسر حيرة القائد الصليبي، وقال معقباً ومستدركاً: “وكل شي”.. كانت هذه الحركة المسرحية والجملة الآسرة من الفنان مسعود كفيلة بأن تخلد هذه اللقطة في وجدان كل متابعي الفيلم ولسنوات طويلة للمستقبل.

“الوطن كل شيء”.. فليكن شعار المراحل القادمة في أدب الطفل السوري هو: “سورية هي كل شيء”.

رامز حاج حسين