بعد الجرائد الورقية.. هل يعجل كورونا بموت دور الثقافة !!
النشاطات الفنية والأدبية هي حالة تفاعلية متكاملة أحد طرفيها الجمهور المتلقي، الذي يحقق معادلة التفاعل والتحريض على التميز في الأداء بإحساس عال، من خلال الكلمة والحركة والتصفيق، تلك الحالات التي تضفي على أي نشاط بعداً اجتماعياً، يصعب القفز فوقه أو تجاوزه، كما هو الحال في مهرجان الثقافة في بيتك الذي تنظمه وزارة الثقافة في دمشق ومحافظات عدة، دون جمهور، مراعاة للوضع المستجد بسبب جائحة كورونا.
دور الجمهور في أي نشاط ثقافي لا يقتصر على التلقي فقط بل يتعدى ذلك إلى التحريض وإضفاء طقوس اجتماعية مازالت تلقى الإقبال، رغم كل إغراءات الانغلاق والكنكنة التي تؤمنها وسائل التواصل الاجتماعي، التي تلجأ إليها وزارة الثقافة للتحايل على الوضع الصحي الطارئ، والاستمرار في أداء الدور الثقافي والتوعوي المنوط بها. لكن هكذا وضع مستجد يحتاج إلى أكثر من تنظيم حفلات موسيقية في أماكن مختلفة وتصويرها بتقنيات متواضعة وغير احترافية، وبثها عبر صفحات الوزارة ومؤسساتها الفيسبوكية، والانتظار من الناس الإقبال على متابعتها.
ما تقوم به وزارة الثقافة هو حالة ارتجالية غير مدروسة غايتها ذر الرماد في العيون وإثبات الحضور لا أكثر، وإلا كانت لجأت إلى تنظيم حفلات وتصويرها بطريقة احترافية وتقنيات صوتية عالية الدقة، ثم بثها عبر وسائل الإعلام المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من تصوير حفلة لفرقة موسيقية بكاميرا الهاتف المحمول، وإظهار الموسيقيين وهم يعزفون لمقاعد فارغة أمامهم، بدلاً من التركيز على الفرقة عموماً والعازفين كل حسب أدائه وحضوره. لأننا نتعامل مع حالة جديدة، تفتقد بُعدها الآخر الذي هو الجمهور، فالمسرح والموسيقا والإلقاء الشعري، معادلة لا تكتمل من دون طرفها الآخر الجماهيري. كما هو الحال مع الجريدة التي لا يمكن أن تكون من دون ورق وبائع على الرصيف، وأكشاك، وجلسات المقهى، ورفقة السفر، وعابر يحث الخطى متأبطاً جريدة.
قد نستمتع بمشاهدة فرقة سيمفونية عبر مقطع صوتي ومرئي، لكننا نتماهى أكثر عندما نشاهد جمهوراً يهيم معها. كما نضحك في مشهد مسرحي مصور لمجرد سماع صوت ضحكات الجمهور في الصالة، لنشعر وكأننا حاضرون معهم.
ما تفعله وزارة الثقافة لا يحرك المياه الراكدة في الحياة الثقافة الجامدة، بل يمهد لواقع ثقافي غير صحي، لذلك ننتظر منها أن تجد حلاً آخر يتحدى الأمر الواقع وينتصر عليه، حلاً ينتزع الإنسان من عبثية التراكمات اليومية التي ينوء تحت وطأتها. لا أن تدع الظروف الراهنة تعجل في موت المراكز الثقافية والخشبات المسرحية، كما عجلت في موت الجرائد الورقية التي شغلت -للأمس القريب- حيزاً كبيراً من يومياتنا وثقافتنا ووعينا وشخصيتنا، بعد أن رفعت الصحف وجفت الأقلام وتلاشت رائحة الورق، وبقي ذلك الحنين ينبض فينا..
آصف إبراهيم