سيناريو ” الأرض المحروقة “
سمر سامي السمارة
أصبح واضحاً اليوم أن جهود الولايات المتحدة للإطاحة بالحكومة السورية باتت من الماضي، حتى أن ما ادعته بتدخلها في سورية -حماية المدنيين- تحول إلى دعم مباشر للإرهابيين، وذلك عبر تسليحهم وتدريبهم.
في شهر آب لعام 2014 قامت الولايات المتحدة بتشكيل التحالف الذي شمل 15 دولة، منها مملكة آل سعود، ومشيخة الإمارات، والأردن، والبحرين والمغرب، وحلفاء الناتو لتعزيز التدخل السافر في سورية. ثم قامت بزج بعض الميليشيات الانفصالية في سورية في المعركة لمساعدة واشنطن في الاستيلاء على مخزونات النفط والغاز الرئيسية في شرق البلاد.
وبعد هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي وعودته إلى رحم “تنظيم القاعدة” الذي قامت واشنطن برعايته واستخدامه سابقاً، بدأ البيت الأبيض بمرحلة جديدة من تصعيد حدة التوترات في سورية والعراق. وتحقيقاً لهذه الغاية، أصبح توجه واشنطن الجديد هو محاربة ما تدعيه “المطامع الإيرانية” لتبرير استمرار وجود قواتها العسكرية التي انخرطت مع حلفاء الولايات المتحدة في نهب الموارد الطبيعية في سورية.
وفي الآونة الأخيرة، تحدث الخطاب الأمريكي الرسمي بشكل متزايد عن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في سورية وهو “هزيمة الروس”. ومن المسلم به، أن مثل هذه “التصريحات” ليست بجديدة، فبعد عام على بدء مشاركة روسيا مع الحكومة السورية في العام 2015 -والتي كانت بدعوة من الحكومة الشرعية في سورية – في محاربة الإرهاب، قال نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق “مايك موريل” عبر مقابلة تلفزيونية: إنه على الولايات المتحدة أن “تشارك سراً” في عمليات “قتل الروس والإيرانيين”، ليعود مبعوث الولايات المتحدة الخاص في المنطقة “جيمس جيفري” للتأكيد قبل اندلاع أعمال الشغب في الولايات المتحدة أن مهمة القوات الأمريكية المتواجدة في سورية هي “أن تجعل سورية مستنقعاً للروس”، حسب تعبيره. ومقابل هذه التصريحات اللا مسؤولة، حقق الحزام العسكري الذي أوجدته قوات الاحتلال الأمريكي الذي استخدم لنهب الموارد الطبيعية السورية أرباحاً كبيرة للنخبة العسكرية السياسية التي بدأت التدخل في البلاد منذ عدة سنوات وحتى الآن. وكذلك عمليات تصدير وبيع الكنوز الأثرية السورية، وهنا لابد لنا من الإشارة إلى أن القانون الأمريكي لا يسمح بفرض أي عقوبة جدية لسرقة التحف الأثرية من أراضي الدول أخرى، وهو ما يتضح من خلال التقارير التي قُدمت عن جرائم مماثلة ارتكبها الأمريكيون في أفغانستان والعراق. ومع ذلك، فإن ذهاب الأرباح التي جنيت من تهريب النفط والكنوز الأثرية إلى جيوب أولئك الذين باشروا التدخل، يثير استياء وسخطاً متزايداً بين أعضاء النخبة غير المحظوظين بما يكفي أولئك الذين يتم استبعادهم. إذاً، فالمليارات التي أنفقها البيت الأبيض للحرب على سورية والتي بقي جزء كبير منها أيضاً في الحسابات الشخصية لمجموعة مختارة من النخبة العسكرية السياسية الأمريكية، تعادل بحسب خبراء حوالي 11.5 مليون دولار يومياً منذ شهر آب للعام 2014 ، أو 7 مليارات دولار على مدى السنوات الست الماضية. ولذا نرى الديمقراطيين ينتقدون بشكل مستمر ترامب الذي ينفق الأموال على الحروب التي لا طائل من ورائها في الشرق الأوسط. حمّل ذلك، المفتش العام لوزارة الدفاع الأمريكية “شون أودونيل” على تقديم تقرير إلى الكونغرس بوثيقة تتألف من 134 صفحة حول عملية “العزم الصلب” والإجراءات الأمريكية في سورية والعراق. يقول التقرير صراحة: إن الهدف الرئيسي من عملية “مكافحة الإرهاب” في حوض الفرات هو أمن مخزونات النفط والغاز التي تسيطر عليهما القوات الحليفة للولايات المتحدة والتحالف الأمريكي. وبالتالي، أكد المسؤولون الأمريكيون أنهم يشاركون -تحت ستار حماية قواتهم – بالفعل في أعمال نهب وسرقة الموارد الطبيعية بدلاً من القتال الذي يزعمونه ضد الإرهاب. وبغية تقديم المزيد من الزخم والدفع لخطة عمله في سورية، تحرك البيت الأبيض ليس فحسب “لجعل المنطقة مستنقعاً للروس”، بل إنه لجأ إلى تكتيك الحرب في فيتنام ” أو سياسة الأرض المحروقة”. وخلال الأيام القليلة الماضية، أشارت العديد من التقارير الواردة في وسائل الإعلام المختلفة ومواقع الإنترنت إلى عمليات الحرق الجماعي للأراضي الزراعية للسكان المحليين في شرق سورية. وفي صباح 17 من شهر أيار الماضي، قال سكان قرية “عدله” في منطقة الشدادي جنوب مدينة الحسكة: إن مروحيات أباتشي تابعة للقوات الأمريكية المحتلة كانت تحلق على مستوى منخفض وألقت قنابل حارقة، ما أدى لإضرام النار في حقول القمح. إذ بدأت المروحيات بالتحليق على ارتفاع منخفض فوق المباني السكنية، مخيفة السكان وخاصة الأطفال لتوجيه رسالة واضحة وهي إجبارهم على عدم بيع القمح للحكومة السورية. استمرت هذه الممارسة بشكل ممنهج ففي 24 من شهر أيار، لجأت لتكتيك مماثل مرة أخرى إذ أقدمت- عمداً- دورية عسكرية أمريكية في منطقة بلدة “المناجر” على إطلاق صاروخ حارق باتجاه أرض زراعية تعود لأحد المزارعين، ما تسبب في إشعال النيران في أحد الحقول في شمال غرب الحسكة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الخبز هو المنتج الغذائي الأكثر أهمية في سورية، وعلى الرغم من جائحة الفيروس التاجي العالمي، تهتم دمشق بحماية إمداداتها من الحبوب، ويقدر إنتاج الحسكة، الرقة، حلب، دير الزور ومحافظة حماة بـ 96٪ من القمح. وقد اضطرت الحكومة السورية بسبب حرق 85000 هكتار من الحبوب في العام 2019 لاستيراد 2.7 مليون طن لتغطية الخسائر. وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، عانت سورية من نقص حاد في الغذاء في العام 2019. اليوم أصبح استهداف القطاع الزراعي في سورية وإعادة إحياء البيت الأبيض لتكتيك فيتنام سياسة “الأرض المحروقة” الاستراتيجية العسكرية التي تتبعها الولايات المتحدة في سورية. لذا من الضرورة بمكان، أن تقوم المنظمات الدولية والقانونية بمهمتها إزاء ما يحدث، وأن توجه تهمة رسمية لواشنطن بارتكاب جرائم حرب في سورية، وقتل الآلاف من المواطنين المسالمين.