صوت الفلاح المبحوح: الأسواق الشعبية لم تحقق الهدف منها والتجار يتحكمون!!
لم يلمس الفلاح لغاية هذه اللحظة الفائدة من الأسواق الشعبية المنتشرة في المدن والبلدات من أجل إلغاء الحلقات الوسيطة (تجار الجملة ونصف الجملة) واستغلالهم للفلاح، وذلك بفرض الأسعار التي يريدونها، لتذهب معظم الأرباح لهم، كما تكررت ظواهر عدم جني المحصول أكثر من مرة في السنوات الماضية، إذ كانت أسعار المبيع في سوق الجملة أقل من تكلفة زراعة المحصول وقطافه.
خطوة ناقصة
ومع التبني الحكومي لتلك الأسواق وتخصيص ساحات في المدن والبلدات لعرض المنتجات الزراعية والاستهلاكية من المنتج مباشرة، لم تك الوحدات الإدارية على سوية واحدة من خلال تفعيل الأسواق، فهناك بلديات لم تقم بأي حركة تجاه إحداث الأسواق الشعبية وكأن الأمر لا يعنيها، في حين نجحت بعض الوحدات الإدارية بالفكرة وفعلت الأسواق الشعبية بأسعار تنافسية، ولكن غابت عنها منتجات الفلاح في وقت وظرف حساس نتيجة العقوبات الجائرة والقوانين الظالمة التي تضيق الخناق على لقمة عيش المواطن لتكون خطوة ناقصة، حيث يعتبر خبراء اقتصاديون أن الزراعة والاهتمام بالفلاح يجب أن تكون من أولويات الحكومة كونه الرافد الرئيسي لتخفيف الضغط الخارجي.
ولم يستطع التسويق الزراعي إقناع الفلاح والوصول إلى حالة الرضاء التام رغم تأكيدات وزارة الزراعة على مدار الأعوام السابقة بضرورة وضع شعار (غلة الفلاح عنوان النجاح) في سلم أولويات عمل المديريات المركزية والفرعية في الوزارة، والتعامل مع كافة المقترحات والطروحات بشكل سريع ومدروس “لا متسرع”.
“تراب المصاري”
“البعث” جالت في بعض قرى محافظة ريف دمشق التي تشتهر بالمواسم الصيفية، كالمشمش والكرز والتفاح وغيرها من الأشجار المثمرة، حيث مازال الفلاح أسيراً لسماسرة تجار نصف الجملة وأصحاب السيارات الذين يشترون المنتجات بأسعار منخفضة، أو – كما يقال – “بتراب المصاري”، ليؤكد الفلاحون تحكم هؤلاء التجار بأرزاقهم، وذلك من خلال الربط بين بعضهم والاتفاق على فرض سعر واحد من أجل إجبار الفلاحين البيع بالسعر المحدد، مشيرين إلى أنهم سمعوا بالأسواق الشعبية من خلال وسائل الإعلام فقط، لكن لم يستفيدوا منها، محملين الجهات المعنية والبلديات والجمعيات الفلاحية المسؤولية على بقاء منتجاتهم تحت رحمة التاجر الذي يبيع في الأسواق العادية بأسعار مرتفعة.
وضرب أحد الفلاحين مثالاً عن سعر كيلو الكرز الذي يباع لتاجر السيارات بـ 900 إلى 1000 ليرة، في حين يشتريه المواطن من السوق 2200 ليرة، متسائلاً: لماذا يذهب هذا المربح الكبير لجيب التاجر، في حين الفلاح يبقى الحلقة الأضعف رغم التكاليف والمستلزمات الزراعية الباهظة.
تقصير الجمعيات
وحول دور الجمعيات الفلاحية المتهمة بالتقصير اعتبر رئيس اتحاد فلاحي دمشق وريفها محمد خلوف أن الاتحاد أرسل كتاباً عمم به على كافة الجمعيات الفلاحية من أجل تقديم كامل التسهيلات لتسويق المنتجات الزراعية عبر الأسواق الشعبية وقطع الطريق على السماسرة والتجار، مشيراً إلى أن الاتحاد وبالتعاون مع محافظة دمشق يقوم بتجهيز سوق شعبي لبيع منتجات الفلاح إلى المستهلك من دون وسيط.
ودعا خبراء إلى ضرورة تدخل المؤسسة السورية للتجارة بشكل فعلي حقيقي وقطع الطريق على السماسرة بتسويق كامل المحاصيل من ثمار وخضار ومنتجات حيوانية أسوة بالقمح والتفاح، ليحقق العدالة التسويقية ويعود بالمنفعة على المزارعين، في الوقت الذي اعتبر خلوف أن التسويق الزراعي لم يحقق الغاية المرجوة منه حتى الآن، حيث لم يقطف الفلاح ثمار هذا التسويق الزراعي الذي يسمع ونشاهد ندوات ومحاضرات عنه بشكل مستمر ودوري، آملاً من البلديات التعاون وتفعيل الأسواق الشعبية وتحقيق الغاية المرجوة منها.
تكاليف باهظة
ولم يخف خلوف ظلم الفلاح من خلال التكاليف الكبيرة التي يدفعها على محصوله، ليقع في النهاية في مصيدة التاجر الذي يشتري منه بأسعار لا تعادل التكلفة.
وأوضح مدير زراعة ريف دمشق المهندس عرفان زيادة أن المديرية تقوم بتقديم التسهيلات والتعاون مع مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بإرشادهم على تجمع المحاصيل، لكي يتم شراء هذه المحاصيل بشكل مباشر من الفلاح وبيعها في صالات السورية للتجارة.
وطالب الفلاحون بالتدخل السريع من قبل الجهات والمديريات المعنية وشراء المحاصيل بأسعار منصفة لهم وللمستهلك بآن واحد، ولاسيما في ظل الظروف المعيشية الصعبة والغلاء الكبير للأسعار، مشددين على ضرورة تفعيل القرارات الصادرة بخصوص الأسواق الشعبية ومن دون وسيط، علماً أن البلديات استغلت القرار لمصالح شخصية خاصة، حيث طبقت قانون الأسواق الشعبية، ولكن من خلال عقود إيجار لتجار، ما يشكل مخالفة صريحة للأنظمة والقوانين ليخرج الفلاح من المعادلة صفراً مكعباً.
عملية متكاملة
ويعتبر خبراء اقتصاديون أن التسويق عبارة عن عملية متكاملة تشمل وزارة الزراعة، وأسواق الهال، ووزارة الاقتصاد، والجمعيات الفلاحية، إلى جانب هيئة تنمية الصادرات، وعليهم أن يتعاونوا جميعاً لينهضوا بواقع التسويق الزراعي لافتين إلى غياب خطة تسويقية موضوعة بوجود خطوط عريضة فقط بقصد تنمية التسويق وتطويره وحل المشاكل والمعوقات، وعزا الخبراء ضعف التسويق إلى الاهتمام الحكومي بتطوير الإنتاج الزراعي أكثر من الاهتمام بتسويق المنتجات الزراعية، فالوقت الذي نجحت الحكومة نجاحاً باهراً في عملية تسويق الحبوب والقطن اللذين يسيران بشكل جيد وفق الإجراءات المتخذة في التسويق، وهذا ما أكده المهندس زيادة بأن تسويق القمح يعد أولوية حكومية متابعة من قبل جميع الجهات المعنية، إضافة إلى تسويق التفاح من الفلاح مباشرة، ما انعكس إيجاباً على الفلاحين مع أهمية تسويق كامل المحاصيل من ثمار وخضار ومنتجات حيوانية أسوة بالقمح والتفاح ليحقق العدالة التسويقية ويعود بالمنفعة على المزارعين.
ويرى خبراء أن موضوع التسويق مشكلة كبيرة للفلاحين وأداة ربح وابتزاز لتجار السوق بالنسبة لأغلب المنتجات الزراعية، ما عدا المحاصيل الاستراتيجية الرئيسية التي تستجرها مؤسسات الحكومة بأسعار محددة تشجيعية كالقطن والقمح والشوندر، في الوقت الذي تخضع بقية المحاصيل لأمور كثيرة كحجم العرض، وإمكانية التصدير ومزاج تجار أماكن شراء الجملة.
ميزات حكومية
آخر القول ومع الصوت المبحوح للفلاح الذي ما زال يجهر بالتوسل والرجاء من أجل تسويق منتجاته مباشرة من قبل الحكومة بدلاً من استغلال التجار والسماسرة له، وبقاء التسويق الزراعي لحناً عذباً تعزفه وزارة الزراعة والجهات المعنية على أوتار أوجاع وآلام المزارعين الذين أبدوا عدم تفاؤلهم بمستقبل التسويق الزراعي، ولاسيما أنه ما زال يعتمد على المعارض ووسائل غير مجدية مالم تتدخل الحكومة بشكل مباشر وقطع الطريق على المستغلين من التجار والسماسرة، ليجمع من كافة الخبراء من أجل مشكلة التسويق بأن تمنح الحكومة ميزات واسعة لتشجيع قيام مجموعات تسويقية، وامتلاك مراكز التجميع، ووسائل النقل، لكي يتم نقل المحاصيل من الفلاح إلى المستهلك مباشرة، ما سيلغي دور الوسطاء والسماسرة.
علي حسون