من يدفع “ثمن” تأخر مشروع التحول للري الحديث؟!
البعث ـ قسيم دحدل
أن يتوقف المشروع الوطني للتحوّل للري الحديث في العام 2012، نتيجة للحرب الإرهابية العالمية على سورية، فهذا أمر موضوعي لا يحتمل الجدال فيه، بسبب ما خلّفته هذه الحرب من دمار وتخريب ونهب ممنهج وخروج مناطق عن سيطرة الدولة، وبالتالي خروج نحو 90% من الشركات العاملة بتصنيع مستلزمات هذا التحول عن العمل، كون أغلبها في محافظات حلب وحمص وريف دمشق، لكن الأمر غير الموضوعي، ورغم الإعلان عن إعادة إطلاق المشروع بداية العام 2018، هو أننا لم نستطع الاستفادة، حتى تاريخه، من التغيرات على الأرض والتي تمثلت بعودة مساحات مهمة جداً لسيادة الدولة وبسط الأمن والأمان عليها، وكأن ليس لعامل الزمن أي حساب وجدوى واعتبار، عند من يقررون هذا القرار أو ذاك!.
أولوية تأخرت!
قرابة عامين ونصف العام مرّت، ويمكن أن تمرّ أعوام أخرى، ولا يتمّ تفعيل المشروع وفقاً للأهداف التي أُحدث لأجلها، والتي تشكل اليوم أولوية الأولويات في الأجندة الحكومية، لاتصالها المصيري بأمننا الغذائي والمائي من جهة، وبالأمن الزراعي والصناعي، وبالتالي الاقتصادي المعيشي لشريحة أصبح التعويل عليها عالي الرهان، في مدى قدرتها على تأمين متطلباتنا الزراعية الغذائية اليومية والإستراتيجية، خاصة في ظل الحصار والمقاطعة والعقوبات على سورية، ناهيكم عن المتوقع من تزايد الطلب العالمي على المنتجات الغذائية، بفعل آثار جائحة كورونا العالمية، من جهة ثانية.
انتكاسة “التحول”؟
مشروع التحول الوطني اليوم يُصاب بانتكاسة هذا العام، كان يمكن تلافيها لو استثمرنا عامل الزمن على أكمل وجه، والاستثمار هنا بالتحديد يتمثّل بالسرعة في اتخاذ القرار الحكومي، ممثلاً باللجنة العليا لمشروع التحول للري الحديث.
تأخر اتخاذ القرار خلال السنتين الماضيتين، حيث كانت الظروف والأوضاع مواتية لتشميل أكبر مساحة ممكنة بالتحويل، أوصلنا اليوم للتريث في متابعة تنفيذ المخطط من المشروع، والأنكى أن التريث والإيقاف يرجع لسبب البت أو عدم البت بالأسعار الجنونية التي لا تستقر يوماً واحد، ما يمنع أية شركة من تنفيذ عقودها مع إدارة المشروع، حيث كان للأخيرة اجتماع قبل “رمضان”، وضعت خلاله سيناريوهات عدة لكيفية التعاطي مع التكلفة المتغيّرة بسبب تذبذب الأسعار، لكن تلك السيناريوهات لم يتمّ اتخاذ القرار بشأنها.
هدر للوقت!
ووفقاً لمدير مديرية مشروع التحول للري الحديث في وزارة الزراعة المهندس يحيى محمد أنه في الأسبوع القادم سيُعقد اجتماع مع وزير الزراعة لوضع اللجنة العليا في ضوء تلك السيناريوهات لاتخاذ القرار وإجراء المقتضى، بعد أن ازدادت تكلفة مستلزمات تركيب الري الحديث للدونم الواحد من 100 ألف ليرة إلى 400 ألف، وهذا يعني صعوبة وحيرة في كيفية الحساب والحاسبة، ما يتطلّب حكماً ضرورة زيادة الاعتمادات المرصودة لتنفيذ التحول وفق المخطط، علماً أن ما هو مرصود لا يتجاوز 2 مليار ليرة حالياً، وهذا لن يكون كافياً.
لا شيء يذكر!
مدير صندوق دعم التحول للري الحديث سمير عودة، أكد لـ “البعث” أن عدد المستفيدين منذ إطلاق المشروع أي منذ عام 2005 وحتى شهر آذار من عام 2012، وصل إلى 8083 مستفيداً، بمبلغ إجمالي ممنوح وصل إلى 3.595 مليارات ليرة، مبيناً أن مبلغ الدعم المقدّم للمستفيدين بلغ 1.332 مليار ليرة، ولمساحة إجمالية بلغت 43121 هكتاراً، مع الإشارة هنا إلى أن الصندوق كان صدر بالمرسوم التشريعي رقم 91 تاريخ 29/ 9/ 2005 برأسمال مقداره 52 مليار ليرة تسدّد على 10 سنوات، وأن عدد طلبات الفلاحين الراغبين بالتحول للري الحديث بفروع المشروع في المحافظات، منذ بداية هذا العام وحتى الشهر الثاني منه، بلغ 327 طلباً لتحويل مساحة 9473 دونماً، بينما بلغ عدد قرارات المنح الصادرة حتى الآن 7 قرارات شملت 17 فلاحاً في محافظات حماة وطرطوس وريف دمشق بقيمة إجمالية نحو 81 مليون ليرة ومبلغ الدعم المقدم من الوزارة عند تنفيذها 45.5 مليون ليرة، وأن المشروع نفّذ 6 شبكات للفلاحين في محافظة حماة بقيمة قاربت 12 مليون ليرة وبلغت قيمة الدعم المقدّم نحو 7 ملايين ليرة.
وحول ما قدّمه الصندوق بعد إعادة إطلاق المشروع في 2018، قال محمد: ليس بالشيء الذي يذكر، وأغلبه في المناطق الساحلية التي لم تشهد أحداثاً.
ندفع الثمن!
والتساؤلات التي يمكن أن تُبنى على ما تقدم: لماذا كلّ هذا التأخير في اتخاذ القرار؟!، وما هي الوفورات والمكاسب التي خسرناها وكنّا سنجنيها لو استطاع من بيده البت بالأمر اتخاذ القرار الصحيح في الوقت والمكان اللازم، علماً أنهما كانا متوفرين خلال السنتين الماضيتين!!.
للعلم، وبحسب توقعات المعنيين بالمشروع، أن يؤدي تطبيق تقنيات التحول لكامل المساحة المروية في سورية والبالغة 1.2 مليون هكتار، إلى توفير ما بين 2.8 إلى 4 مليارات متر مكعب من المياه فقط سنوياً، هذا مائياً، فماذا عن الزراعي من محاصيل والصناعي من منتجات، كانت لتكون سنداً ودعماً لليرتنا واستثمارنا واقتصادنا ومعيشتنا، التي فطنت إليها الحكومة الآن، بدلاً من أن تفطن لها منذ سنتين!!. لا شك سيكون ثمن التأخير كبيراً جداً، ثمنٌ كان يمكن أن ننفّذ به مساحات مضاعفة لو تمّ صرفه في وقته. ألم يقولوا: “كل شي في وقته حلو”؟.
Qassim1965@gmail.com