متضامنون ضد المواطن!
يُتحفنا التجار دائماً بأساليب لا إنسانية لشفط الدخل الشهري للأسر السورية دون أدنى مستوى من الرحمة.. هذا إذا كان لايزال لدى قلة منهم بقايا من “رحمة”!
هم يتنافسون فيما بينهم على رفع الأسعار، ولأن عمليات “الرفع”، أو بالأحرى “النصب”، تحتاج إلى الاحتكار، فإن كل واحد منهم يحرص على احتكار استيراد سلعة أو أكثر كي يتمكن من التحكم بانسيابها وأسعارها!
ولا صحة لما يقال من أن العرض والطلب هما من يفرض الأسعار، فسوقنا يتسلّط عليها قلة من التجار المحتكرين استيراداً وتصنيعاً، أي لا وجود لمنافسة فعلية بل منافسة بين محتكرين على من يبيع بأسعار أعلى!
ولأنهم يستثمرون في الأزمات ضد المواطن، فلم نُفاجأ باستغلال “العقوبات” الأمريكية ضد الشعب السوري فأغلقوا مستودعاتهم وامتنعوا عن مد حاجة المواطنين من السلع الضرورية لحياتهم اليومية!
وجاراهم في الاستغلال أصحاب المحال التجارية المذعنة دائماً وأبداً لتجار الجملة، فأغلقوا محلاتهم بذريعة شح المواد وتذبذب سعرها من ساعة إلى أخرى، أو خوفاً من دوريات الرقابة وتعرضهم للغرامات!
واللافت أن التضامن ضد المواطن شمل المستوردين ومعظم مصنّعي السلع الغذائية التي لا تطولها العقوبات، وإلا، بماذا نفسر ارتفاع سعر عبوة الزيت أكثر 200%؟
وكعادتها اكتفت غرف التجارة بتصريحات “رفع عتب” من قبيل تبرير تضامن المحتكرين ضد المواطن السوري، فزعمت أن “معظم التجار يخسرون حالياً، مع ارتفاع الأسعار وعدم استقرارها، وتذبذب سعر الصرف”.
هل فعلاً يخسر التجار.. ومن يُصدّق هذا الهراء؟!
وتتجاهل غرف التجارة تحديد المسؤولين عما حصل وسيحصل لاحقاً، فتذبذب سعر الصرف هو “ماركة” مسجلة باسم التجار ولا توجد جهة أخرى قادرة على التلاعب بسعر الصرف سوى التجار!
والسؤال المريب والرهيب: هل هي مصادفة أن يحتكر التجار بضائعهم ويرفضون بيعها، وأن يرفع الصناعيون محتكرو تصنيع بعض المواد الأساسية أسعار منتجاتهم بنسب تتجاوز 100%، وأن تغلق المحلات التجارية أبوابها، إما لشح في المواد، وإما خوفاً من الضبوط التموينية؟ هل هي مصادفة أن يحصل هذا التضامن ضد المواطن مع سريان العقوبات الاقتصادية الجديدة ضد سورية؟
وما يؤكد وجود تضامن ضد المواطن أن الامتناع عن البيع وإغلاق المحال التجارية شمل معظم المحافظات من جهة، ولم يقم أي تاجر أو صناعي بخرقه حتى الآن من جهة أخرى!
فجأة.. اختفت الكثير من السلع الغذائية والاستهلاكية من الأسواق، لأن التجار حجزوها في مستودعاتهم كنوع من الضغط على الحكومة لتحرير أسعارها، أي تحريرهم من قرارات وزارة التجارة ودوريات التموين والجمارك!
ولا يخفي التجار هدفهم من “الضغط” على المواطن، فهم أعلنوا على لسان مسؤول في غرفة تجارة دمشق: “نريد عقد اجتماع فوري مع الحكومة لإيجاد آلية تخدم مصالحنا وتتناسب مع الوضع الحالي”!
ترى ماذا يقصدون بالوضع الحالي سوى العقوبات الجديدة؟
والآلية الجديدة برأي المتضامنين ضد المواطن يجب أن تتضمّن تسهيلات وإعفاءات للتجار بما يحقق المزيد من احتكار الأسواق والتحكم بالأسعار!
بالمختصر المفيد: التجار تضامنوا ضد المواطن وأعلنوا عن أهدافهم، وبالتالي فإن المواطن بانتظار الجواب على سؤال يؤرّقه ليل نهار: بماذا ستردّ الحكومة لكسر حصار التجار.. بل لماذا تأخّرت في الرد؟
علي عبود