أخبارصحيفة البعث

الطرقات مغلقة إلى البيت الأبيض وحاكم نيويورك يطالب ترامب بالاعتذار

فيما تتعالى الأصوات المطالبة بتجميد عمل الشرطة الأمريكية، تتواصل الاحتجاجات العارمة، التي تجتاح الولايات المتحدة الأمريكية وعدداً من دول العالم إثر حادثة قتل المواطن الأمريكي جورج فلويد، حيث تجمّع آلاف الأمريكيين في هيوستن بولاية تكساس للمشاركة في مراسم جنازته. وقال حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت الذي حضر المراسم: “إنّ قتل فلويد أفظع مأساة شهدها على الإطلاق”، مضيفاً: “إنّ هذا الحادث سيغيّر مستقبل الولايات المتحدة، ونحن نعمل على قانون للتأكد من أنه لن يكون لدينا وحشية من قبل الشرطة مثل ما حدث لفلويد”.

ولم يعبأ آلاف المشيعين بالحرّ القائظ في ولاية تكساس لإلقاء نظرة الوداع على نعش فلويد، الذي أثارت وفاته احتجاجات واسعة، وأجمعوا على إرادتهم انتهاء القتل على يد الشرطة وإصلاح الإجراءات تحقيقاً للعدالة ووقف القتل.

وأجريت مراسم التشييع بعد أسبوعين من وفاة فلويد التي سجّلها أحد المارة بالفيديو، حيث جثا شرطي بركبته على رقبة فلويد لقرابة تسع دقائق، بينما كان مكبّلاً على أرض شارع في مدينة مينيابوليس وهو يجاهد لالتقاط النفس ويتأوه طلباً للمساعدة قبل أن يختفي صوته.

يأتي ذلك فيما طالب حاكم ولاية نيويورك الأمريكية، أندرو كومو، الرئيس دونالد ترامب بالاعتذار عما جاء في تغريدة نشرها بشأن تعامل الشرطة مع متظاهر مسن خلال الاحتجاجات ضد العنصرية، وقال: إنه فوجئ بمحتوى التغريدة وشعر بالصدمة، واصفاً قراءة ترامب للحادث بأنها “مقرفة”، وأضاف: إن ترامب يجب أن يعتذر عن دفاعه عن شرطيين دفعا المتظاهر البالغ 75 عاماً حتى سقط أرضاً خلال الاحتجاجات في مدينة بافالو.

وكان ترامب قال في التغريدة: إن هذا المتظاهر “ربما مستفز من حركة “انفيتا”، مشتبهاً بأنه “سقط أقوى مما تم دفعه”!،  زاعماً: تم دفع مارتن غوغينو، البالغ من العمر 75 عاماً، بعد أن ظهر لمسح اتصالات الشرطة من أجل تشويش المعدات. لقد شاهدته، سقط أقوى مما تم دفعه (..) هل من الممكن يكون فخا؟!”.

يأتي ذلك، بعد توجيه تهمة الاعتداء الجسدي من الدرجة الثانية لاثنين من رجال الشرطة الأمريكية، بعد ظهورهما في فيديو يدفعان رجلاً مسناً، وهو ما تسبب في إصابته بجروح بالغة.

بالتوازي، كشفت بيانات إحصائية أعلنتها شبكة “سي. إن. إن” أن العمليات المرتبطة بالعنف لدى الشرطة الأمريكية أكثر مما يحدث في مثيلاتها من الدول الصناعية الكبرى، مشيرةً إلى تسجيل 1348 حالة وفاة مرتبطة بالاحتجاز لدى شرطة الولايات المتحدة خلال فترة 10 شهور، وبيّنت الإحصائيات من خلال مقارنة وضع الولايات المتحدة بهذا الشأن مع بعض أقرانها في مجموعة السبع الكبرى التي تضم أقوى اقتصادات في العالم أن الولايات المتحدة تختلف بشكل ملاحظ فيما يتعلق بالشرطة والعدالة الجنائية، وأن الأمريكيين من أصول إفريقية يتضرّرون بشكل غير متناسب، كما ذكرت أن معدل الوفيات أثناء الاحتجاز لدى الشرطة في الولايات المتحدة أكثر من ضعف ما يحدث في أستراليا، ويعادل حوالي ستة أضعاف ما يحدث في بريطانيا، وأن إجمالي 1348 حالة وفاة مرتبطة باعتقالات خلال فترة 10 شهور بين حزيران 2015 وحتى آذار 2016 بمتوسط 135 وفاة في الشهر أو أربع في اليوم.

وعرضت إحصائية أخرى عدد من أطلقت عليهم الشرطة النيران في الولايات المتحدة مقارنة بألمانيا وأستراليا والسويد وبريطانيا ونيوزيلندا، وكانت الفجوة شاسعة، حيث وجدت الإحصائية أن الشرطة قتلت حوالي ألف شخص في الولايات المتحدة عام 2018، في حين كان الرقم في ألمانيا 11 وفي السويد 6 وفي بريطانيا 3 وفي نيوزيلندا 1، بينما كان في أستراليا 8 أشخاص فقط في عام 2017.

في الأثناء، رأت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن الرئيس دونالد ترامب بات أضعف الرجال الأقوياء في العالم بسبب الاحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة، وقالت في مقال لـ”ستيفين والت” أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد الأمريكية: “إنّ استخدام ترامب للعنف ليس دليلاً على القوة، بل على العكس هو إشارة تعكس اليأس، ومن الصعب للغاية توقّع إلى أي مدى ستصل موجة الاحتجاجات وإلى أين ستقود البلاد”، مشيرةً إلى أنه حتى الآن من الصعب للغاية على المراقبين في الخارج توقّع طبيعة الشرارة التي ستدفع المزيد من المحتجّين للخروج إلى الشوارع للمشاركة في الاحتجاجات التي يمكن أن تنمو مع مرور الوقت خاصة في ظل رد فعل الحكومة الذي يعزز انفجار الغضب الشعبي.

في سياق متصل، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في مقال للكاتبة “كارين تومولتي”: “إنّ الرئيس ترامب تمكن أخيراً من بناء جداره الذي كان يحلم به ولكن ليس على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، وإنما حول البيت الأبيض لحمايته من المحتجين”، واعتبرت أنه من الصعب تخيّل تشبيه أكثر ملاءمة لرئاسة ترامب من تحويل البيت الأبيض إلى قلعة محصنة، وبالرغم من تبجّحه بشأن القوة والهيمنة، فإنّ السياج الجديد ذا الطبقات المتعدّدة الذي ضرب حول البيت الأبيض الخميس الماضي يكشف حقيقة أن الرئيس يتصرف بدافع الخوف وليس انطلاقاً من القوة، وأوضحت أنه ورغم سلمية المتظاهرين الذين احتشدوا في الشارع المقابل للبيت الأبيض أقام ترامب حاجزاً بينه وبين تلك الحشود، متسائلةً: “ما هي خطوة ترامب التالية بعد السياج؟ هل ستكون حفر الخندق المليء بالتماسيح والثعابين الذي اقترحه ذات مرة لمنع المهاجرين من الوصول إلى الولايات المتحدة عبر حدودها مع المكسيك؟”، وأردفت: “إنّ الرئيس الذي يحتاج إلى أن يحتمي خلف الأسوار والحواجز لأنه يشعر بالتهديد من قبل مواطنيه يعد سجينهم وليس قائدهم”.

كما اعتبرت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها الولايات المتحدة على وقع جريمة قتل فلويد وما تبعها من احتجاجات تطالب بإنهاء العنصرية وصولاً إلى مطالبات بإلغاء تمويل أقسام الشرطة لن تحلّ شيئاً من المشكلة، مشيرةً إلى أن إجراء إصلاحات في الشرطة الأمريكية أمر غير ممكن لأن عناصرها مصمّمون للعنف، وأوضح مقال للكاتبة ماليكا الجبالي أن المحتجّين الذين خرجوا في أنحاء الولايات المتحدة بدؤوا في الأيام القليلة الماضية يطالبون بإلغاء تمويل الشرطة، وهناك أسباب كثيرة تبرّر مطلبهم ولاسيما في خضّم الاحتجاجات، حيث قام ضباط الشرطة بصدّ المتظاهرين بسياراتهم والهجوم بشكل عشوائي عليهم مستخدمين القوة المفرطة ورذاذ الفلفل والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وغيرها من أساليب القمع، وأشارت إلى أن ميزانيات الشرطة الأمريكية سواء المحلية أو شرطة الولايات تضاعفت ثلاث مرات تقريباً منذ عام 1977 على الرغم من انخفاض معدلات الجريمة، لافتةً إلى أن الجدل المالي الذي يطرحه المحتجون المناهضون لعنف الشرطة والعنصرية لن يقدم أو يؤخر، حيث لا يمكن إجراء إصلاحات في أقسام الشرطة الأمريكية لأنها مصمّمة للعنف والظلم إحدى سماتها الرئيسة.

وأعادت الصحيفة إلى الأذهان تاريخ الشرطة الأمريكية الغارق في الدماء واستهدافهم الممنهج للأمريكيين المتحدّرين من أصول إفريقية استناداً إلى أسس التمييز العنصري، مبينةً أن المحاكم الحديثة في الولايات المتحدة أدّت إلى تآكل الحريات المدنية بشكل مطّرد ومنحت الشرطة مزيداً من السلطة.

ومن بين الجماعات الأمريكية التي تدعو إلى تجميد عمل الشرطة، مجموعة “بلاك لايفز ماتر” أو “حياة السود تهمّ”، وهي ائتلاف المنظمات المعنية بحقوق الأمريكيين من أصل إفريقي، وهناك دعوات من ناشطين ومسؤولين في مدينة نيويورك لخفض ميزانية إدارة شرطة المدينة البالغة 6 مليارات دولار.