فقرو “ضيعة ضايعة” في أقاصي الجبال وخزان زراعي خارج دائرة الاستثمار!!
“كما هي العادة في كل الثورات التكنولوجية التي تحدث، هناك ناج وحيد، لكن هذه المرة ليس أم الطنافس الفوقا بل قرية فقرو”، تقع فقرو في عمق جبال سهل الغاب بمحافظة حماة ناحية سلحب، يقطنها 150 نسمة بعدد بيوت يصل لـ 48 بيتاً، لا بدّ وأن الرقم مثير للدهشة، لكنه ليس المؤشر الفعلي للسكان الحقيقين، حيث كان يقطنها أعداد كبيرة هجرتها لقلة الموارد وسوء الوضع المعيشي و”سحلت” أي نزلت إلى قرية المسحل، لتبقى تلك القرية بعيدة كل البعد عن أعين المسؤولين رغم غناها النباتي والحيواني وإمكانية استثمارها والاستفادة منها صناعياً وحيوانياً.
تغيير في التعداد
في دراسة أجريت لقرية فقرو في عام 2014، بلغ عدد سكانها 1500 نسمة، يعيشون على تربية الماعز والأبقار. وبحسب تلك الدراسة، لا يوجد في القرية حيازات زراعية، بل هناك أراض بعلية بمعدل 4 دونمات للأسرة الواحدة. وقلة قليلة تمتلك غسالة أو مروحة أو سيارة. ولا مهن تذكر هناك، وما من نقطة طبية، حيث إن أقرب قرية إليها تبعد عنها 10 كم بطريق مسفلت جبلي ضيق مليء بالأشجار ينتقل الناس عبره بدراجات نارية أو سيارات مستأجرة، وتبعد عن أقرب مشفى 30 كم وأقرب عيادة 15 كم وأقرب صيدلية 150 كم، وعن أقرب مركز ولادة 30 كم، ما أدى إلى تسجيل بعض حالات الوفيات عند النساء الحوامل – بحسب الدراسة. اليوم، ونحن في الـ 2020، تراجع عدد سكان فقرو بشكل كبير، وقدمت القرية كرمى أعين الوطن 7 شهداء.
تهميش غير مبرر
رئيس بلدية فقرو فادي شلهوم، قال: في مجال بلدية فقرو 4 تجمعات سكانية هي المسحل وعين أسد والتوبة وفقرو، تم تنفيذ عدة مشاريع في قرية المسحل وتم تخديمها في الصرف الصحي بنسبة 90%، أما باقي القرى فلم تخدم سوى بمشروع بطول 150 متراً في قرية التوبة، ورغم المطالبات الكبيرة لتنفيذ مصب الصرف الصحي في القرية لم نلق أي إجابة بحجة أن المشروع غير موجود في مخطط مشروع حماة رغم الحاجة الكبيرة لتخديم فقرو والتوبة وعين أسد في الصرف الصحي، ويضيف شلهوم: يعتمد سكان قرية فقرو على الثروة الحيوانية وتربية الماعز والأبقار، بالإضافة إلى اعتمادهم على تجارة النباتات العطرية والجبلية الموجودة في الأحراش المجاورة للقرية، حيث يوجد مركز في قرية المسحل يتم حالياً اتخاذ الإجراءات اللازمة لترخيصه أصولاً، في وقت تمت مراسلة محافظة حماة ومديرية الصحة فيها لإحداث نقطة طبية في المسحل أيضاً لم تتم الموافقة على هذه الطلبات المتكررة بحجة أن عدد السكان لا يصل إلى 5000 نسمة وما فوق، وفيما يتعلق بعدد الوفيات عند النساء الحوامل أكد شلهوم أن هذا الأمر عار عن الصحة ولم تسجل أي حالة وفاة واحدة إذ يوجد فرق طبية للعناية بالحوامل تزور القرية بشكل دوري بالتنسيق مع رؤساء القرية ورئيس البلدية والمختار.
غياب العقل الإداري
وكغيرها من القرى الفقيرة كان لابد من السؤال عن حصة فقرو من المعونة والسلل الغذائية، خاصة بعد تأكيد قرى عين الكروم على توقفها منذ زمن بعيد وحصرها فقط بمركز عين الكروم وحرمان القرى الصغيرة منها، قال رئيس البلدية: فيما يتعلق بالسلل الغذائية لقرية فقرو تم توزيعها بالكامل من قبل فرع الهلال الأحمر في حماة عدة مرات وبالتساوي مع باقي القرى في مجال البلدية غير أن الهلال الأحمر توقف عن التوزيع منذ حوالي سنتين، بالمقابل بدأت جمعية لمسات تنموية في الآونة الأخيرة استهداف قرى الغاب وكان نصيب بلدية فقرو 55 سلة في شهر نيسان 2020 و75 سلة في شهر أيار، نالت منها قرية فقرو 15 سلة بحسب نسبة عدد السكان على أن يتم استهداف باقي الأسر في الأيام القادمة حسب الأولوية، وبخصوص الهاتف تم الانتهاء منذ فترة ليست ببعيده من تنفيذ مشروع تركيب وحدة نفاذ ضوئية في قرية فقرو لتخديمها بالهاتف الثابت بكلفة 35 مليون ليرة، وهذا العمل جاء نتيجة جهود كبيرة بدءاً من نقل ملكية الأرض من أملاك الدولة إلى أملاك وزارة الاتصالات وانتهاء بتنفيذ المشروع إلا أنه لم ير النور حتى ساعته، ورغم الهطولات المطرية التي تصل لـ 400 ملم لم يحاول المعنيون في وزارة الموارد المائية ومديريتها في حماة من الاستفادة من تلك الهطولات، سواء بحصاد الأمطار أو بالسدّات المائية، ليبدو الأمر مضحكاً مبكياً، ففقرو الغنية بالينابيع تزود بصهاريج ماء صيفاً مع محاولة فاشلة لحفر بئر بعمق 600 متر وخزان نال منه الصدأ وقلة الاهتمام والوعي من أهالي فقرو، وبحسب شلهوم تم التعاقد بالتراضي مؤخراً مع إحدى شركات القطاع العام لحفر البئر بعد نقل ملكية الأرض من أملاك وزارة الزراعة إلى مؤسسة المياه في وزارة الموارد المائية على أن يتم التنفيذ قريباً، ليبقى مصير البئر معلقاً كمثيله الهاتف على حد قول الأهالي، من جانب آخر أشار شلهوم إلى وجود مدرسة بقرية فقرو تضم 15 تلميذاً وجهازاً تدريسياً كاملاً مؤلفاً من ثلاثة معلمين ومثلهم مستخدمين والمدرسة مجهزة بكل مستلزمات العملية التدريسية على حد تعبيره، وتطرق رئيس البلدية إلى موضوع الغاز وتوزيعه بموجب البطاقة الذكية وصندوق الأمانة السورية للتنمية الريفية الذي يقدم قروضاً دون فوائد بقيمة 100 إلى 200 ألف ليرة بهدف استثمارها في مشاريع صغيرة، وختم شلهوم قوله: قرانا بحاجة إلى اهتمام من القيادة الإدارية والسياسية في حماة لتحسين الواقع الخدمي فيها من صرف صحي وطرق وغيرها ولدينا دراسات لعدة مشاريع بهذا الخصوص بقيمة حوالي 300 مليون ليرة، وتم التواصل مع محافظة حماة ووزارة الإدارة المحلية عدة مرات دون جدوى بغية الإضاءة على مواقع هذه القرى بشكل عام وتقديم خدمات تليق بالدماء التي قدمها شهداؤها.
استثمار وتوطين
بسبب طبيعة فقرو الجبلية وغناها بسحر المناظر ووفرة المياه يمكن الاستفادة من تلك الأرض بتوطين عدة زراعات وتربية أنواع مختلفة من الحيوانات وتحويلها لقرية أثرية، بالتالي عودة من هجرها وضخ الحياة في وديانها وبيوتها الحجرية، يقول الباحث التنموي أكرم عفيف: التعداد السكاني الأساسي لقرية فقرو أكبر بكثير من الواقع الحالي، وحتى نقنع الناس بالعودة إلى فقرو لابد من العمل على توطين العمالة عبر مجموعة إجراءات، فقرو قرية سياحية بطبيعتها الخلابة وموقعها وبطيب سكانها ومعشرهم فهم يتميزون بقدرتهم على ارتجال الشعر وإلقائه وبخامات غنائية جميلة، لذا يجب إعادة بنائها وتشجيع الأسر على العودة عبر بناء بيوتهم على الشكل القديم “حجر” عن طريق مشروع يقدم لوزارة السياحة وبدورها تساعد بتقديم قروض دوارة للبناء، ومبلغ 10 ملايين يكفي لبناء القرية وهو مبلغ زهيد جداً لا يكفي اليوم لبناء منزل جيد، ويرى عفيف أنه بالإمكان تنشيط الحياة الثقافية وإقامة مهرجانات للشعر والعتابا التي اشتهرت بها فقرو والتخييم وإقامة المسابقات، ولاسيما أن هناك مبادرات من قبل بعض الشباب للحفاظ على تراث القرية الغنائي، حيث يمكن تعزيز هذه المبادرات بحضور أصحاب الرأي والقرار.
غنى وتنوع
وعلى مايبدو لا تحتاج قرية فقرو حتى تنهض وتتربع قمة الجبل سوى معونة مادية لكافة مشاريعها أو قروض تساعد السكان على الحياة فهي مورد غني وخزان بيئي وزراعي لمن يريد العمل ودعم الاقتصاد ولن نبالغ إن قلنا: إن استثمار تلك الجبال سيحدث تغييراً إيجابياً في ميزان الحياة الزراعية ودعم الريف، يقول الباحث التنموي، لأن الغاب غني بالأمطار مشروع حصاد مهم جداً وناجح في تلك المناطق، ولاسيما أنه قد تواجدت فيما مضى آبار لجمع المياه كانت تستخدم للسقاية وللشرب هدمت بمعظمها، يمكن إعادة ترميمها والاستفادة من مياه الأمطار بعد تقديم المعونة للأهالي كمواد عينية، والعمل على إنشاء سدّات مائية صغيرة أو تعزيل “الجوبات” التي هي مصب لمياه الأمطار طوال فترة الصيف والربيع، وفي فقرو يربى الماعز الذي يأكل الأعشاب الطبيعية والطبية ولا يدخل بغذائه أي نوع علفي ما يجعل حليبه مميزاً جداً، ويمكن تجهيز هذا الحليب للتصدير وتوزيعه في سورية عبر البسترة إلى جانب حليب الأبقار الجبلي الصغير “القليطي” وهو نوع لا يأكل علفاً وحليبه من أفضل أنواع الحليب في العالم، ولأن فقرو موطن تلك الأبقار والماعز يقول عفيف: يمكن العمل على زيادة أعدادها وزيادة سعر مبيع الحليب دون البحث عن أماكن غير صحيحة لإحداث مباقر قد تكون فاشلة، بالتالي تشجيع الأهالي للعودة إلى بيوتها التي هجرتها ولعملها الأساسي، وبعد العمل على مشاريع حصاد الأمطار يمكن العمل على النباتات المميزة والأشجار كالمراب البري والتين الذي يشتهر بميزته وطعمه، والزعرور، ويمكن إقامة مطاعم شعبية هناك، نحتاج للقروض والخدمات –بحسب الباحث التنموي – كالطريق وتوسيع المدرسة وإحداث نقطة طبية، ويمكن التنسيق مع بعض الجهات التي تعمل في مجال البيئة للاستفادة من روث الحيوانات بصنع هواضم حيوية ووحدات غاز منزلي وسماد عضوي من النوع الممتاز، كذلك تشجيع العمل في النباتات العطرية المتواجدة أصلاً هناك كالزعتر والزوفا والبنفسج وأنواع الورود التي يمكن توطينها ومنها الوردة الشامية التي تعتبر طبيعة فقرو أرضأً خصبة لها إلى جانب توطين زراعة العنب هذه الطبيعة الغنية تعتبر هوية فقرو، أما في مجال التربية الحيوانية فيوضح عفيف أن بالإمكان التنمية في القرى الجبلية عبر تربية الغزلان لأنها كانت موطناً أساسياً لها ومازلنا نرى اليوم بعضاً منها تبحث عن الماء وقد تصل في بحثها إلى القرى المجاورة لكن للأسف يتم صيدها وبيعها، لذلك إن أرادات الجهات المعنية تستطيع زيادة أعداد الغزلان وتقديم القروض لتربيتها، والسماح للأهالي ببيعها والاستفادة من لحمها عندما تصل لحد معين مثلها مثل القروض المقدمة لتربية الأبقار والماعز، وتمتاز تلك الأراضي الجبلية بوجود نبتة القطلب التي يمكن الاستفادة مها بصنع عيدان الشيش التي تعطي نكهة وطعماً شهياً، بالإضافة إلى كل ذلك يمكن زراعة أشجار الغار وهو نوع ناجح في جبالنا ولمن لايعرف فهي تنتج أكثر بكثير من شجر الزيتون كقيمة مادية ويمكن استخلاص الأدوية منها ومن النباتات الموجودة، والدراسات موجودة وجاهزة عند الرغبة في العمل.
نجوى عيدة