إنها الثقافة!!
كتب الروائي الألماني فرانك شاتزينج: “نحتاج الثقافة أكثر من أي وقت مضى، فهي صوت الروح الحرة ونبض الآراء المتنوعة، والحصن ضد الشعبوية وحظر الفكر والإقصاء، هي الراحة وسط هذا العناء والمنظور الذي نُعيد، من خلاله قراءة الأحداث. بالطبع، يحتاج قطاع الثقافة إلى دعم عاجل في ظل الأوضاع الراهنة، فهو من أكثر القطاعات تضرراً خلال أزمة كورونا، إذ ينص الدستور الاتحادي على ضرورة تعزيز الثقافة والفن والعلوم من قِبَل الدولة والبلديات. وعلى الرغم من ذلك، يتم، في العادة، التضحية بميزانية هذا القطاع في وقت الأزمات، واعتبارها أحد أشكال الرفاهية التي يمكن الاستغناء عنها. وبالنظر إلى متضرري قطاع الثقافة، نجد عشرات الفنانين المجهولين العاطلين عن العمل، حتى إشعار آخر”.
بالفعل رصدت الحكومة الألمانية الملايين منذ أسابيع دعما لقطاع الثقافة الذي تضرر جراء أزمة كورونا التي تجتاح العالم! ولا مكان للمقارنة هنا بين إمكانيات الدول الغنية وبين الدول الفقيرة التي تعاني من بؤس شديد على مستوى الغذاء والدواء والتعليم وتعاني من ويلات الحروب والصراعات وأطماع الكبار فيها، إلا أن هذه الدول تمتلك من الثقافة ما يجعلها مؤهلة لتجاوز أزماتها من خلال طموح أبنائها ووعيهم في التعاطي مع تلك الأزمات وثقتهم في المستقبل الذي يسعون لبنائه رغم كل المعوقات. ورغم كل ما نعانيه الآن من أزمات اقتصادية ومعيشية صعبة تمس أغلب شرائح مجتمعنا السوري، حيث غلاء في الأسعار وفقدان الأدوية وبعض السلع، نجد هناك حالة تتفوق على الصعب وتدعو للتفاؤل لما تضمنته من تعاطف، ونجد نموذجا واضحا من خلال التعاطف بين الناس في ظل فقدان بعض أنواع الأدوية حيث نجد على صفحات التواصل أن أحدا ما قد وضع صورا لبعض أنواع الأدوية التي لا يحتاجها الآن ويعرضها مجانا لمن يحتاج، ومرد ذلك لثقافة التعاضد بين أبناء المجتمع، وهذه قيمة كبيرة تميز مجتمعنا عن سواه، ألفتها حاجة الإنسان لأخيه وأضحت عادة من العادات الاجتماعية التي تنشأ مع التربية وزراعة القيم.
ولا ننظر للثقافة اليوم باعتبارها منتجا سريعا ينمو بعد أي عرض مسرحي أو تشكيلي أو قراءة أي رواية بل هي تلك البنية العميقة للمجتمع المؤلفة من عادات وتقاليد وقيم لعبت دورها في أن تكون خط الدفاع القوي عن هذه المجتمعات، ولا يعني ذلك أن ما سبق من إبداع أدبي وفني لن يكون له أي دور في المستقبل بل على العكس هو الصانع الحقيقي لتلك القوى الناعمة الصلبة لأنها تشكلت عميقا وبصبر وهدوء طويلين، مما يتطلب العناية من الجميع بأولئك المنتجين والمدافعين عن قيم مجتمعاتهم المتمثلة في الخير والحق والجمال أولئك الكتاب والشعراء والفنانين والمسرحيين وكل الفاعلين في ميدان الثقافة والإبداع وإعادة النظر في مقدرات الدعم لتكون حقيقية تدفع عنهم العوز والجوع وحسبي أن ذلك لا يحتاج المليارات بقدر توفر النية الحقيقية والإيمان بأهمية دورهم في تصليب صمودنا وتعزيز عدة المستقبل.
أكسم طلاع