دراساتصحيفة البعث

هل العنصرية سمة بشرية..؟!

علي اليوسف

كانت العنصرية عبر التاريخ اللبنة الأولى للحروب والقتل، وما الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة أكثر من 60 مليون إنسان سوى نتاج عقول عنصرية مريضة تتفشى في الكثير من بقاع الأرض رأينا تبدياتها في جنوب أفريقيا وفلسطين المحتلة. العنصري كائن مريض في عقله، والعنصرية مرض ينهش جسد الإنسانية عبر وهم التفوّق والفروق بين البشر في العرق والدين التي تدفع إلى ممارسة الاستبداد وسلب الحقوق.

العنصرية هي الاعتقاد بوجود فروق وعناصر موروثة بطباع الناس وقدراتهم بسبب انتمائهم إلى جماعة أو عرق ما تدفع إلى شعور بالتفوّق وممارسة الإقصاء والتهميش والتمييز بين البشر على أساس اللون أو القومية أو العرق أو الدين، وتبرر القهر والقتل بأشكال مختلفة وفق أسباب تاريخية أو ثقافية أو دينية أو اقتصادية. ربما كانت العنصرية قديمة قدم البشرية لكن ممارساتها البشعة ظهرت في النظرة المتعالية للغربيين تجاه أبناء الحضارات الأخرى، والاستعمار سبب اجتماعي وإيديولوجي وسياسي لنشأتها، حيث سيطر الأوروبيون بين القرن السادس عشر والقرن العشرين على أجزاء كبيرة من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ورغم انكفاء الاستعمار منذ النصف الثاني من القرن الماضي لا تزال العنصرية تطل برأسها في العالم، حيث تتنامى الحركات العنصرية في أكثر من بلد أوروبي وتشكل خطراً حقيقياً.

تبدو العنصرية وكأنها مرافقة للوجود الإنساني إيغالاً حتى التوحّش، ولقدمها يتبادر إلى الذهن هل هي سمة بشرية؟ هناك العديد من السلوكيات والتصرفات العدوانية والعنيفة التي يتميز بها تاريخ الحضارات البشرية، لكن هذا لا يعني أنها متأصلة في الإنسان، وهي ليست دائماً مرتبطة بمرض، هي قد تكون جريمة، سلوك جنائي. عندما نشعر أننا ننتمي إلى فئة تتفوق على الفئات الأخرى في المجتمع لأسباب بيولوجية فقط، وأسباب وصفية لا علاقة لها بأي إنجاز أو بأي عمل أو بأي توجّه فكري، فقط بسبب لون البشرة أو بسبب أننا ولدنا بطائفة معينة أو بجنسية معينة نشعر أن هذا يمنحنا حق التفوّق على الآخرين. لكن الشيء الوحيد الذي يفترض أن يجعل الإنسان يتبارى مع إنسان آخر هو إنجازاته، أفعاله وليس أموراً بيولوجية لا علاقة لنا بها، نحن لم نختر أن نكون ببشرة بيضاء أو ببشرة سمراء ولم نختر أيضاً منذ الولادة أن نكون ذكوراً أو إناثاً.

أسس العنصرية

العنصريون يبحثون دائماً عن إثباتات بيولوجية في فئة من الناس، وهذه هي العنصرية بشكلها المبسّط. قد تكون العنصرية أيضاً عنصرية ثقافية تنطلق من أن هناك ثقافات متفوقة على ثقافات أخرى، وهذا أساس الهجوم والاستعمار. اليوم عندما نرى أفريقيا وهي أفقر قارّة هذا لا يعني أن الرجل الأسود لم يكن قادراً على النهوض ببلاده، بل هذا يعني أن هذا الرجل الأسود وهذه القارة الغنية بالموارد الطبيعية خضعت للاستعمار والاستغلال لمئات السنين.

وهذا يقودنا إلى أن أفضل تعريف للتمييز العنصري هو التعريف القانوني في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، تقول المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الأخوة”. المادة الثانية تقول:” لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة”. أما الاتفاقية الدولية فتقول: “في هذه الاتفاقية يقصد بتعبير التمييز العنصري أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الإنسانية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي أو في ميدان آخر من ميادين الحياة العامة”.

إذاً التمييز مرتبط بتعريف حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكل البشر حقوق متساوية، عندما نرى أن هناك فئة من الناس تستحق حقوقاً وامتيازات أكثر من فئة أخرى هنا ندخل في إطار التمييز العنصري.

لقد ظهر أكبر تبد للعنصرية في النازية والفاشية في القرن العشرين، وظهر مع الصهيونية لاحقاً. أنجبت الحرب العالمية الثانية حوالي 62 مليون ضحية، وهو الرقم الأكبر في تاريخ الحروب في العالم، هل هذا الفكر ما يزال مستمراً رغم أنه أنجب سنة 1948 ما يسمّى بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟. الجواب ببساطة، ما زال مستمراً ونحن نراه اليوم بعد وصول دونالد ترامب إلى الحكم والتي ادعت أن شعارها هو أن نجعل أميركا عظيمة مجدداً، ماذا يعني ذلك؟ يعني أنها متفوقة على الآخرين وهي لأنها الولايات المتحدة الأميركية فهي تتفوق، هذه نظرة عنصرية. عندما يتحدث الرئيس الأميركي إلى أربعة أعضاء في الكونغرس، ويقول لهن اذهبن من حيث أتيتن، ما المقصود بهذا الكلام ولماذا اعتبر تمييزاً عنصرياً؟ هو أيضاً أتى من أوروبا، من ألمانيا ربما أو من إيرلندا، فهو يعتبر أن الذين أتوا من الدول الأوروبية يتفوقون عرقياً على الأشخاص الذين أتوا من الدول الأفريقية ومن المنطقة العربية ومن أميركا اللاتينية. وأيضاً هو تمييز ضد المرأة، هو خاطب الأربع نساء، ما يعني أنه تمييز عنصري وعرقي.

 

الصهيونية والعنصرية

فكرة الصهيونية كانت تعتبر تمييزاً عنصرياً، كانت مدانة في الأمم المتحدة، وألغيت بسبب الضغط السياسي. هل هي عنصرية دينية أم عنصرية إثنية أم عنصرية ثقافية؟ تحت أي نوع تقع العنصرية الصهيونية؟  العنصرية لا تتجزأ، هذا التمييز لا يتجزأ فهؤلاء هم أنفسهم يقومون بالتمييز بين بعضهم البعض (الأشكناز والسفارديم يقومون بالتمييز ضد الفلاشا). والأهم كيف لـ يهودي يأتي من مكان ما في هذا العالم ولديه حقوق أكثر من أشخاص عاشوا في فلسطين لمئات السنين بل من آلاف السنين؟. هؤلاء الناس الذين يعيشون في هذه الأرض لا يمنحون أية حقوق ويأتي شخص فقط لأنه يهودي يأخذ أملاك هؤلاء الأشخاص، ويتمتع بحقوق تتفوق على حقوق السكان الذين يعيشون في هذه الأرض، إنه التمييز العنصري بعينه.