اقتصادصحيفة البعث

السلامة قبل الربح مبدأ أساسي يحكم قرارات الاستثمار في كل زمان ومكان

 

يمكن للمرء المتابع تعريف المناخ الاستثماري بأنه مجموعة حزمة القوانين والسياسات والمؤسسات الاقتصادية التي تؤثر في ثقة المستثمر وتُقنعه بتوجيه استثماراته إلى بلد دون آخر، والواضح من هذا التعريف أن المناخ الاستثماري لا يقف عند حدود العوامل الاقتصادية، ولكنه يتجاوز ذلك إلى الظروف السياسية والاجتماعية السائدة، فإذا كان البلد لا يتمتّع باستقرار سياسي وأمني ويتعرّض بين الحين والآخر لاضطرابات سياسية، فإن هذا يؤثر في قرار المستثمر ويدفعه بعيداً مهما كانت الفرص والامتيازات المتاحة، فالسلامة قبل الربح مبدأ أساسي يحكم مجمل القرارات الاستثمارية في كل زمان ومكان.

يتوقف المناخ الاستثماري على عددٍ من القوانين ذات الصلة باحتمالات الربح، ومن بين ذلك قوانين العمل ونظام الضرائب، وليس معنى ذلك الإعفاءات الضريبية الكاملة، ولكن المطلوب الاعتدال والهوادة ووضوح القوانين المطبقة، والاستثمار ليس مطلوباً لذاته وإنما هو مطلوب لكونه وسيلة للتنمية، ذلك أن من المسلمات أن حركة النمو الاقتصادي في أي مجتمع ترتبط إلى حدّ بعيد (نمطاً ووتيرة) بحركة الاستثمار فيه كماً ونوعاً، ولذلك فإن الاهتمام بالاستثمار واستشراف آفاقه هو في واقع الحال من باب الاهتمام بالنمو والتنمية الاقتصادية لا بل هو من صميم ذلك الاهتمام، والجدير بالذكر في هذا المجال أن الاستثمار ليس مجرد دراسات وتمويل ومتابعة، بل يتعيّن أن يحدث كل ذلك في إطار مناخ ملائم وفي ظل قانون يُحفز الأفراد والمؤسسات على القيام بالمبادرات الاستثمارية التي تحقّق عائداً ملائماً في الوقت الذي تعود فيه بالنفع على الوطن بأسره.

إن القوانين والأنظمة والقرارات التي تُشجّع الاستثمار وتشكّل مظلة لحماية الاستثمارات لا تكفي وحدها لزيادة قوة ضخ التدفقات الاستثمارية وكسب ثقة المستثمر، وإنما يجب أن تكون هناك بيئة استثمارية جيدة تتمثّل في أمور عدة مالية وإدارية وتكنولوجية، كما أن نجاح واستمرار الحركة الاستثمارية مرهون بصورة حاسمة بمدى اتخاذ المزيد من الخطوات الإصلاحية في اتجاه تحسين مناخ الاستثمار وإقامة الشروط المناسبة المتمثلة بتعديل بعض الأنظمة لتتماشى مع التطورات التي يشهدها الاقتصاد، إذ لا بد من خلق مناخ استثماري يجذب عموم الاستثمارات الداخلية والخارجية من خلال توفير الموارد البشرية الكافية والبنى التحتية المناسبة والنظام المصرفي الفعّال والمتطور وسياسة التمويل الديناميكية، وتخفيف أعباء الرسوم والضرائب على المستثمرين، مع مراعاة الانتباه بدقة إلى السبب الرئيسي في عامل الركود الاقتصادي والمتمثل في تضاؤل نسب معدلات الاستثمار الوطني.

يؤكد الخبراء أن أهم النقاط المقترحة لزيادة فعالية التدفقات الاستثمارية تتمثّل بتبسيط عموم الإجراءات الإدارية والتراخيص الحكومية اللازمة لحصول المستثمر على موافقة إقامة مشروعه، وإيجاد مؤسّسة موثوقة توفر وتقدّم أدق المعلومات عن فرص الاستثمار الممكن تنفيذها من قبل رجال الأعمال والمستثمرين الجدد، ووضع خريطة عامة وكاملة تشتمل على كافة المشروعات المختلفة وطاقتها الإنتاجية وكذلك موقعها الجغرافي، إضافة إلى تشجيع القطاع الخاص على إقامة مشروعات استثمارية يختصّ بها حالياً القطاع العام فقط وذلك لتخفيف العبء على الدولة، والاستمرار في تطوير البنية الأساسية اللازمة للاستثمار من مواصلات وطاقة واتصالات، إلى جانب إنشاء بنك معلومات عصري ومتطور، وتعميق التعددية الاقتصادية والعمل على إصلاح وترشيد القطاع العام وتدريب الكوادر بشكل كافٍ.

د. بشار عيسى