في خمسة أيام
د. نضال الصالح
“كيف تصبح أديباً” بتوقيع الناقد المصري د. نبيل راغب صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 2002، ومثله آخر بعنوان “كيف تصبح كاتباً” بتوقيع محمد السيد، صادر عن دار القلم في دمشق سنة 2012، ولمحمد جاد الزغبي كتاب بعنوان “تعلّم كيف تكون مثقفاً”، نشرته وكالة العز في القاهرة سنة 2012.
ما سبق، وسواه، ليس مزحة، ولا ما يرادف هذه الأخيرة من: عبث، وهزل، ولعب، ودعابة، وفكاهة، ومرح، ولهو، و.. بل كتب، أجل كتب، ولكتّاب، وصادر غير واحد منها عن غير دار نشر مشهود لها بالرصانة! كتب من “لحم ودم” وليست كتباً على سبيل الاستعارة أو المجاز.
وما سبق وسواه يمكن أن يكون ممكناً إذا سلّم المرء بأنّ أيّاً من هذه الثلاثة، الأدب والكتابة والثقافة، شيء يمكن أن يكون موجوداً بالقوة، حسب تمييز أرسطو بين وجود بالفعل وآخر بالقوة وتعريفه للأول بأنه الوجود الحقيقيّ. وما سبق وسواه يستعيد إلى الذاكرة تلك المؤلفات التي تسخر بدءاً من علاماتها اللغوية الكبرى بالجمهور ومنه، أي تلك التي توهم بتعلّم لغة، أيّ لغة، في خمسة أيام، كما يستعيد ما مثّلَ علامة فارقة في “حضارة” الغرب الزائفة، أي الوجبات السريعة، ويؤكّد، بآن، أن عصر “الهمبرغر” لا يعني هذا الأخير وحده، بل يجب أن يعني كلّ شيء، بما في ذلك ما لا يمكن أن يكون “شيء”، حتى بالقوّة.
هل يمكن لأحد أن يصبح أديباً؟ أو كاتباً؟ أو هل يمكنه، بالتعلّم، كيف يكون مثقفاً؟ بالتأكيد لا، وبالتأكيد أكثر أنّه يمكن أن يصبح ما يشاء سوى ما سبق، لا أديباً، ولا كاتباً، ولا مثقفاً، لا لأنّ الأدب ليس علماً مهما يكن من أمر محاولات التقعيد له عبر التاريخ فحسب، بل، أيضاً، لأنّه هبة من السماء تمنحها الأخيرة لمن تشاء، وتحجبها عمّن تشاء، شأن الجمال، والصوت الشجيّ، والحساسية العالية في أيّ من أشكال الفنّ، أي تلك التي كان عالم الجمال الفرنسي “ايتيان سوريو” حددها بسبعة: النحت، والرسم، والتمثيل، والموسيقى، والرقص، والأدب، والسينما، واصطلح عليها فيما بعد في حقلين رئيسين: فنون بصرية (تشكيلية. تعبيرية. تطبيقية)، وأخرى غير بصرية (صوتية. كتابية).
أديب؟ أو كاتب؟ أو مثقف؟ ربّما لأحد أن يصير إلى ذلك إذا لم يكن كذلك بالفطرة، ربّما! ولكن أن يكون كذلك وأكثر كما هي العلامة اللغوية لكتاب عبد الله ناصر الداوود: “كيف تكون كاتباً بارعاً” الصادر عن دار الفكر العربي سنة 2012، فلا بدّ، وما مِن ريب، في أنّ ذلك خرافة.
كاتب وبارع معاً؟ ودفعة واحدة؟ ومن خلال كتاب؟! لعمرُ المرء تلك خرافة كما في تعريف ابن منظور لهذه الأخيرة، أي الحديث المستملح من الكذب، وكما يذكّر بأصحاب تلك الشهادات الزائفة، والكتّاب الزائفين، الذين وجودهم خرافة، ونصّهم خرافة، وما أكثر الخرافات في هذا الزمن الخرافة!