“الطريق الصعب” مناشدة السلام ونبذ العنصرية
موسيقا الجاز التي عبّرت عن معاناة الزنوج كانت إيماءة خفية مررها المخرج من خلال استحضار جون بذاكرته مشهداً لمرحلة الطفولة بصورة تجمعه مع أخيه يعزفان على الغيتار وهما طفلان، ويبدو أن أنشودة المعاناة والعنصرية لا تنتهي، لتقترب من لوحة الشطرنج والأحجار السوداء والبيضاء التي يحركها جون، وتشير إلى القرار”أتطلع للسلام والهدوء في حانتي” الذي توصل إليه جون الزنجي المحقق السابق في فريق المتابعات بعدما انتقم لمقتل أخيه كودي في أوضاع أخفت القاتل الحقيقي الذي كان مفاجأة المخرج كيوني واكسمان التي حملت رسالة الفيلم، وأظهرت خيانة رئيس المحققين “رجالنا خونة” في الفيلم الأمريكي “الطريق الصعب”، إنتاج 2019، الذي استدعى الكثير من الأسئلة بعد المشهد الأول الذي مرر فيه المخرج أقوال المحقق عن الأحداث في أفغانستان والعراق، والعراك في الشارع، وعلاقة أمريكا بإسرائيل، ليثير الانتباه إلى الأحداث العاصفة في العالم، ودور أمريكا، رغم أن الفيلم يتعلق بمافيا تهريب المخدرات، وتجنيد الفتيات، واستغلال الملاهي والرقص لإخفاء العمل الأساسي بالمخدرات، وفي الوقت ذاته ينبذ الفيلم العنصرية بإظهار التعاطف والتقارب بين البيض والزنوج من خلال وجود كودي مع صديقه الأبيض، وتشكيله معه ثنائياً رائعاً في العمل، ومن خلال زواجه من الفتاة الشقراء لايسي التي كان لها دور كبير في حياة كودي، وفي الوصول إلى كشف رئيس العصابة الغامض الذي كان يتخفى وراء قبعته وصوته الغريب.
يقوم الفيلم على القتال الذي يصفه جون بالتبادل العنيف بغية الانتقام لمقتل أخيه، والأمر اللافت هو انتقال الأحداث من نيويورك الحانة الصغيرة التي يملكها جون ويديرها، إلى رومانيا- بوخارست، المكان الذي دارت فيه الأحداث ابتداء من الكنيسة التي شهدت مراسم دفن كودي وسط الثلوج والتلميحات الصغيرة، إلى المظلات والرومانسية الساكنة التي تخفي أحداث العنف والتصفية التي بدأت بفال الذي أثار انتباه جون إلى معرفته معلومات تفيد بمقتل أخيه، لتتحول سهرة عيد الميلاد في بيت فال المزدان بالأضواء إلى مسرح للجريمة باقتحام المنزل من رجال يضعون أقنعة على وجوههم، فيقتلون كل من في المنزل بلحظات مرعبة تشتد في مشهد توجيه الكاميرا لمقبض الباب في الحمام، وقتل روسي ابنة فال وهي تستحم.
تواصل بعد الموت
ركز الفيلم على أداء جون البطولي ليجسّد ببراعة مسحات من الإنسانية، والحالات الحزينة التي عاشها في منزل أخيه كودي، والرسالة التي تركها له بالخفاء على هاتفه الجوال يعلمه فيها عن مكان المفاتيح، وكلمة السر، وعن الكنيسة مكان الحقيبة التي تحتوي على مبلغ خمسة ملايين يورو، المبلغ الذي يريده تورو المنظم للعمليات، وأخفاه كودي لتسليمه، كما احتفظ هاتف كودي بمقاطع من فيديوهات بتهديد تورو.
المنعطف بالفيلم بعد سلسلة من المطاردات العنيفة ينتقل إلى قلعة غوشوايا الأثرية بقلاعها وحجارتها وممراتها، لتصل الكاميرا إلى الحفرة العميقة المخيفة التي تخفي الكثير من الموتى، المكان الرهيب الذي تهيم فيه الأشباح، والذي تمكن فيه جون مع صديق أخيه ماسون من زرع المتفجرات حول المكان للقضاء على رجال تورو، كان موعداً للقاء جون بتورو وتسليمه الحقيبة بمساعدة لايسي التي كان تورو مغرماً بها، وهي تحب كودي. الإشارات التي ركز عليها المخرج من خلال الحوارات مع لايسي هي تجنيد الفتيات لتنفيذ العمليات، وعدم السماح لهن بالانسحاب، وفي حال ذلك يكون الموت مصير كل من تطلب أن تغادر العمل بمافيا المخدرات، واختيار المخرج الكنيسة لتكون مسرح العراك بين جون وتورو، إشارة واضحة إلى النزاع بين قطبي الخير والشر، والسلام والعدوان، ليفجر فيه مفاجأة مذهلة من خلال الفلاش باك باستحضار مشهد في غرفة المحقق بريغز- راندي كوتور- الذي فتح الخزينة أمام جون فحفظ الرقم السري، وقد أثار شكوكه بعد رفضه الدعم والمساعدة لطلب جون التحقيق بملابسات قتل كودي، فكان هذا المشهد إجابة عن تساؤلات يطرحها المشهد السابق لحظة إطلاق النار من مسدس تورو على جون من مسافة قريبة دون إصابته، ليستكمله بتتمة الفلاش باك بتسلل جون إلى مكتبه ليلاً وتغيير ذخيرة المسدس، وفي المشهد الأخير من العراك يكشف عن شخصية رئيس العصابة بريغز حينما يقع بيد جون وتسقط قبعته، لتكون المفاجأة بأن رئيس فريق المحققين هو زعيم العصابة.
التفاعل الإيجابي
بعد مرور ثلاثة أسابيع يتغير المشهد الدرامي في الفيلم ليحمل الكثير من المشاعر الوجدانية التي يعيشها أبطال القصة، فتنتقل الأحداث إلى المطعم الصغير الذي تعمل فيه لايسي، وإلى النافذة الصغيرة التي تعبّر عن مشهد الوداع، فيدور حوار صغير مع لايسي التي شفيت من إصابتها بإطلاق الرصاص عليها أثناء عملية التسليم، وغيّرت اسمها إلى ديث، وتُخبر عن دور التفاعل الإيجابي في حديثها مع الناس كعلاج جيد للنسيان، وأن كودي ترك لها هدية تحملها في أحشائها، نظرات الحب والسكينة بعد الانتقام من عيني جون لخصت كل المعاني التي ارتبطت بالتلويح لها من خلف الزجاج بعد أن طلب منها القهوة وغادر وترك لها حقيبة تحتوي على عقدين لعقارين، وعلى مبلغ من المال، وصورة تجمعها بزوجها كودي، ورسالة صغيرة: “إذا جئت إلى نيويورك ابحثي عني”.
ملده شويكاني