نصف قرن والأسلوب على حاله.. الأتمتة لم تعد مطلباً في الامتحانات الجامعية!!
تعمل وزارة التعليم العالي على تطوير المناهج والمقررات الجامعية، وإحداث التخصصات الجامعية بما يتناسب ومتطلبات وحاجات سوق العمل، لكنها أهملت الأهم في قياس نجاح المخرجات التعليمية، ومدى جودتها وصلاحيتها في عملية التنمية، والمقصود هنا “الامتحانات الجامعية” التي لاتزال تجتر أسلوباً منذ أكثر من نصف قرن قوامه الحفظ والتلقين والتفريغ على الورقة الامتحانية كمن يكتب وراء آلة تسجيل!
لم يتغير شيء!!
ما يثير الشجون حول واقع الامتحانات في جامعاتنا أن تطويرها تم إدراجه على سلم الأولويات منذ تسعينيات القرن الماضي، وذلك من أجل مواكبة كل جديد في العملية التعليمية، ولكن للأسف ظلت الامتحانات تجتر شكلاً تقليدياً يعلّم الطالب الكسل بدلاً من الإبداع، بمعنى أنه ينسى أغلب معلوماته بعد فترة وجيزة من تخرّجه في الجامعة، فهو تعوّد أن يدرس وينجح بأية نتيجة ويتخرج فيما بعد ليأخذ دوره في طابور الحصول على فرصة عمل في عالم لم يعد يعترف بالشهادة كمعيار وحيد للعمل!
في كلية الآداب
أغلب طلبة كلية الآداب بجامعة دمشق أكدوا أن الأسلوب الامتحاني الحالي يظلمهم بالشكل والمضمون، فالأسئلة في أغلب الأحيان تكون غير منسجمة مع ما أعطاه أستاذ المقرر خلال المحاضرات، عدا عن الأخطاء القاتلة في ورقة الامتحان، ليأتي المراقب ويزيد الطين بلة بممارساته ضد الطالب وكأن هناك ثأراً بينهما!
وأشار الطلبة إلى نوع من اللامبالاة بالتعامل مع مشاكلهم الامتحانية والنظر بحلها، متسائلين عن سبب عدم الأخذ بمقترحاتهم بتطوير الامتحانات التي لم تعد مناسبة للجامعة، وكأن أصحاب الأمر عجزوا عن فعل أي شيء، أو إيجاد مخرج يحقق الإنصاف والعدالة للطالب بحصوله على جرعة تعليمية، وعلامة تنصفه وتخلصه من مزاجية بعض الأساتذة!.
مشكلة الامتحان الوطني!
طلبة الدراسات العليا في الكليات الطبية والهندسية رأوا أن اعتماد الامتحان الوطني كشرط للتخرّج هو أكبر دليل على فشل الأسلوب الامتحاني الحالي، سواء بشكله التقليدي أو المؤتمت، مشيرين إلى الظلم الذي طالهم وأوقف تخرّجهم لحين اجتياز الامتحان الوطني، داعين إلى تصويبه بما لا يعيق الطالب، ويحقق بالنتيجة جودة المنتج الجامعي!.
الظلم في التصحيح!
مازال الطلبة يشتكون من الظلم في تصحيح الأوراق الامتحانية، كما يحدث مع طلبة كلية الحقوق، متهمين بعض الأساتذة بالتعامل معهم بكيدية، وطالبوا بالسماح للطالب بمراجعة ورقته الامتحانية، وليس فقط إعادة جمع العلامات، مشيرين إلى الكثير من الحالات التي أوقفت الطلبة سنوات عن التخرّج!.
الوقت لا يكفي!
شكا العديد من طلبة كلية التربية والآداب وبعض الكليات الهندسية كالزراعة من ضيق الوقت الذي لا يتناسب والأسئلة المطروحة، مشيرين إلى أن بعض الأساتذة يتعمّدون تعجيز الطلبة!.
بين مؤيد ومعارض!
مازال تطبيق نظام أتمتة الامتحانات يلاقي الانتقادات منذ بداية تطبيقه، فكلية الآداب بجامعة دمشق ألغت تطبيقه منذ سنوات، وقد اعترف الكثير من الأساتذة بأن الكليات الجامعية غير مهيأة لتطبيق هذا الأسلوب الامتحاني لأنه يحتاج إلى بنية تحتية خاصة غير متوفرة في جامعاتنا!.
وبرأي العديد من الطلبة فإن الامتحان المؤتمت يظلم الطالب المبدع، حيث يتساوى الطالب المجتهد مع المهمل الذي قد يحالفه الحظ باختيار الإجابات متعددة الخيارات، وربما يحقق معدلاً!.
وقال طالب آخر: صحيح هناك نوع من العدالة في الامتحانات المؤتمتة، وخاصة في الكليات العلمية، ولكن ما ذنب طلاب الكليات النظرية الذين تعوّدوا في دراستهم على أسلوب الشرح والتفسير والتفصيل، فهؤلاء قد لا ينفع معهم وضع إشارة صح أو خطأ في الورقة الامتحانية!.
لا بديل لهذين النوعين!
الأستاذ الدكتور سلمان محمود (كلية الهندسة المعمارية – جامعة دمشق) له رأيه في الامتحانات الجامعية، حيث أشار إلى وجود نوعين أو شكلين للامتحانات في جامعاتنا: الأول امتحان نظري مع وجود أسئلة وإجابات تصحح بشكل تقليدي، والثاني امتحان بوجود أسئلة مؤتمتة، وبرأيه أنه في الظروف الحالية لا بديل لهذين النوعين من الامتحانات، لافتاً إلى أنه
في الجامعات المتقدمة الأوروبية يعطون دوراً كبيراً للامتحانات الشفهية، ولهذا الأمر شجون في جامعاتنا، لذلك لا يمكن أن نعوّل على ذلك كثيراً لعدة أسباب لا مجال لشرحها الآن.
ويؤيد الدكتور سلمان النوع الأول من الامتحانات لأنه- حسب رأيه- يعلّم الطالب أسلوب الكتابة والصياغة اللغوية الصحيحة، ولكنه وصفه بالمتعب لمدرّس المقرر كون عدد الطلاب كبيراً، كما في كليات الآداب والحقوق وغيرها، ويضيف: النوع الأول يعطي إمكانية لوجود أسئلة فيها رسومات تخفف من عبء تصحيح الإجابات النصية الطويلة على مدرّس المقرر، وهذا ما نتبعه في الكليات التطبيقية كالهندسات مثلاً.
السرعة في استصدار النتائج
وبالنسبة للنوع الثاني (الامتحان المؤتمت) فهو ظهر لاختصار وقت تصحيح المقرر بسبب الأعداد الكبيرة من الطلاب، ومن إيجابياته، بحسب الدكتور سلمان، السرعة في استصدار النتائج، والدقة من حيث عدم تدخل أستاذ المقرر في التصحيح، وهنا لا تكون أية شكوك تلامس مصداقية ونزاهة مدرّس المقرر بالتصحيح، بعد أن كثر الحديث بين الطلبة عن ظلم في تصحيح المواد، وبرأيه هناك مشكلة أساسية تمارس في النوع الثاني (المؤتمت)، وهي تكرار الأسئلة بعد عدة دورات بسبب أن عدد الأسئلة المؤتمتة يكون بين الـ ٥٠ و١٠٠ سؤال، وبالتالي يضطر أستاذ المقرر لتكرار أو تبديل الترتيب لأنه يقدم نموذجين، A و Bفي اللغات مثلاً
ومن مساوئه أيضاً عدم تعلّم الطلاب الصياغات اللغوية المتكاملة، والتخفيف من دور وأهمية الرسومات كمتطلبات امتحانية.
يؤدي المطلوب
ورداً على سؤال فيما إذا كان الأسلوب الامتحاني الحالي في جامعاتنا يؤدي الغرض المطلوب أكد الدكتور سلمان أنه يؤدي المطلوب في الحكم على إنتاج الطالب العلمي، وان كانت هناك بعض المساوئ فهي تتعلق بالدقة بالمراقبة الامتحانية، وموضوع عدد الطلاب المتزايد والكبير جداً، وغير ذلك، وبيّن أن الامتحانات الحالية أداة حقيقية، وتحقيق جودة العملية التعليمية، ولكن بشرط أن تنفّذ بشكل دقيق وأمين من قبل إدارة الكلية ومدرّس المقرر، مع ضرورة الانتباه إلى إيلاء الامتحانات العملية من المقرر الاهتمام الأكبر، وأضاف: نظامنا الامتحاني ممتاز، ولكن ما يتعبه هو العدد الكبير من الطلاب، وعدم وجود الدقة في المراقبة والإخلاص في تصحيح بعض الحالات الشاذة.
هامش
بمناسبة الحديث عن الامتحانات طرح العديد من طلبة الجامعة فكرة الامتحان عبر الأنترنت تماشياً مع الإجراءات الخاصة بمواجهة فيروس كورونا، وعالمياً هناك 58 دولة من أصل 84 دولة شملها المسح في تحليل عالمي سريع أجرته منظمة اليونسكو قامت بتأجيل أو إعادة جدولة الاختبارات، فيما قدمت 23 دولة طرقاً بديلة مثل الاختبار عبر الأنترنت، أو الاختبار المنزلي
بالمختصر، لا يمكن أن ننجح في تطوير وتحديث المناهج في ظل أنظمة امتحانية تقليدية، لذا لابد من البحث عن أساليب حديثة للتقويم، والخطوة الأولى تكون بإعداد المدرّسين ليكونوا قادرين على تبني المعايير الحديثة للتقييم الجامعي، وكلنا أمل بالتطبيق الحازم للتعليمات والإجراءات الناظمة للامتحانات التي تحارب الغش وكافة أنواع التجاوزات الخاصة بعملية الامتحانات، مع التأكيد على تفعيل مجالس الانضباط بالجامعة بما يحقق إنصاف الطالب من ظلم بعض المراقبين!.
غسان فطوم