تجربة نوعية.. ولكن؟!
أجمعت آراء الكثير من النخب الثقافية، والفكرية، والعاملين في الحقل السياسي على أن فكرة الاستئناس الحزبي لاختيار كتلة حزب البعث إلى مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث تجربة رائدة ونوعية، تؤسس لمرحلة مفصلية تتسم بالحراك الفاعل والنشط على مستوى التنظيم الحزبي، ومن شأن ذلك أن يُحدث تغييراً في النهج والسلوك والممارسة كحاجة ماسة وملحة خلال هذه المرحلة الدقيقة لمواجهة التحديات من جهة، ومن جهة ثانية للخروج من القوالب المعدة مسبقاً، والانقلاب على الذهنية والعقلية المتحجرة السائدة سابقاً التي لم تعد صالحة للتعاطي الناجز مع الأحداث المتسارعة التي تضرب المنطقة برمتها.
ولئن بنيت عقيدة ونظريات حزب البعث على قواعد وأسس فكرية متجددة ومتنورة قابلة للتطور والتحديث في كل زمان ومكان، مع قبول الآخر ضمن مشروع البناء الوطني، نرى ضرورة وأهمية أن يُحدث هذا التحول في حياة حزبنا العظيم، الذي يقوده بكل جرأة الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد، فارقاً واضحاً في الفعل والتطبيق العملي، وهو ما بدا جلياً في خطاب سيادته لكوادر حزب البعث عشية بدء عملية الاستئناس.
وفي الواقع، تباينت الآراء في الشارعين الثقافي والسياسي حول آليات تنفيذ وتطبيق مفردات هذه التجربة، وليس على الفكرة ذاتها، وأجمعت كل الآراء على أنها تجربة نوعية بكل المقاييس، ولو أنها بحاجة إلى مزيد من الوعي والنضج لتكون النتائج بحجم التطلعات والأماني المنشودة، وهنا مربط الفرس حيث لم تفرز نتائج الاستئناس في معظم فروع الحزب في المحافظات الأفضل لتحمّل المسؤولية الوطنية في مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث، وكان ذلك محط انتقاد واسع من شرائح مختلفة حزبية وغير حزبية، وأصيب البعض بخيبة أمل كبيرة من فوز الأسماء والشخوص ذاتها التي تحترف وتمتهن اللعبة الانتخابية، ما يؤكد أن العقلية ذاتها مورست في عملية الاستئناس التي لم تغب عنها التحالفات والتكتلات والشللية والمناطقية، فيما الخاسر الأكبر هو الوطن والحزب والمواطن على السواء.
المثير للتساؤل في خضم هذه المعركة الانتخابية الديمقراطية في معانيها ودلالاتها هو أن البعض انحرف عن مسار عملية الاستئناس، وغلّب منافعه ومصالحه الضيقة على المنفعة والمصلحة العامة، بأن أعاد تكرار المشهد ذاته، وصوّت لمرشّحين لم يتركوا أية بصمة تذكر في مسيرتهم المهنية والتشريعية والحزبية، بل على العكس كانوا ومازالوا موضع تساؤلات وإشارات استفهام عريضة.
منتهى الكلام، وبين متفائل ومتشائم من نتائج هذه العملية الانتخابية الحزبية، يبقى المأمول تقييم هذه التجربة، والعمل على تلافي الأخطاء، وإقصاء المنتفعين والمتسلّقين لاحقاً، وأن يكون الاختيار دقيقاً، وبما يدفع بحزبنا العظيم إلى الأمام ليكون صوت العامل والفلاح والمواطن، ورافعاً لتطلعاتهم وأحلامهم ببناء مستقبل مبشّر وواعد.
معن الغادري