محمود درويش!
حسن حميد
ما كنتُ أودُ أن أشارك في الحديث الدائر اليوم على ألسنة المثقفين والأدباء حول ما قاله الكاتب سليم بركات بحق الشاعر محمود درويش، لأن كلامه لم يكن قريباً من الأدب، وإنما كان قريباً من شيء كريه لا أحبه، هو الثرثرة!
لكن ما دعاني للمشاركة في هذا السجال أمران، أولهما سؤال الأصدقاء الممرور: “لماذا لا تقول كلمة؟”، وثانيهما دخول كاتب عراقي اسمه نجم والي ليشارك في هذا السجال، فقال كلاماً ليس ثرثرة فقط، بل هو كلام ناقص يشبهه تماماً.
سليم بركات غادر سورية عام 1971 (لأسباب لا أريد التطرق إليها)، وذهب إلى بيروت ليعمل ويدرس هناك، وقد عمل في دار نشر معروفة، اسمها العودة. في بيروت، تعرف سليم بركات إلى الشاعر الكبير أدونيس، وأطلعه على نصوصه التي يكتبها، فسرّ به أدونيس، وساعده حين جمع قصائده، وطبعها في ديوان، وتعرف أيضاً إلى محمود درويش القادم من الأرض المحتلة أولاً، ومن موسكو ثانياً، ومن القاهرة ثالثاً، بعد أن كان صاحب عمود في جريدة الأهرام. محمود درويش أخذ بيد سليم بركات، مثلما أخذ بيد عشرات من الأدباء والشعراء العرب والفلسطينيين، وجعله يترك العمل في دار النشر، وقد أثنى محمود درويش على سليم بركات، وامتدح شاعريته، لأنه رأى في نصوصه جمرة إبداع غير حاضرة في نصوص غيره.. وهكذا، ومنذ صدور العدد الأول لمجلة الكرمل أصبح الاثنان – محمود وسليم – ثنائية متلازمة. ولأنني قارئ لمدونة سليم بركات، فإنني أجده أصيلاً في سرده، وتركيبياً في شعره.. صحيح أنه يمتلك قدرة على البناء هائلة، ولكن أصالته في سرده، في (سيرة صبا) و(الجندب الحديدي).. وما بعدهما من أعمال ممتلئة بوافر الحضور، وجمالية السرد، وجدّة المعنى! كان بمكنة سليم بركات أن يتحدث عن طقوس محمود درويش الكتابية انتساباً لفضيلة الصداقة والمعايشة، أو أن يتحدث عن يوم أدبي/ شعري/ حواري /ثقافي/معرفي عاشه قرب محمود درويش، كان بمكنته هذا، أما أن يتحدث عن أمور شخصية بعيدة عن حقل الأدب، ومساررات بينه وبين محمود درويش الذي كان وحيداً في كل شيء، وحيداً في الأمكنة، ووحيداً في الصداقات، ووحيداً في عزلته مع قراءاته ونصوصه، ووحيداً في أحلامه! سليم بركات هو أول من يعرف أن محمود درويش كائن بشري، اجتماعي، ناطق، ألوف، ولهذا كان لا بدّ له من أن يحادث أحداً، حتى لو كان هذا الأحد مرآته الجامدة المعلقة على الحائط، سليم بركات، وغيره كثيرون، يعرفون نجومية محمود درويش، وكيف أن الطيور الأنثوية كانت تلاحقه رفوفاً رفوفاً حتى في أحلامه، وهذا أمر طبيعي لأنه غدا شاعراً أكبر مما اعتادت عليه الذائقة العربية.
أما نجم والي، فهو سارد عراقي غير مؤهل لأن يغسل قدمي محمد خضير، أو أحمد خلف، أو لؤي حمزة عباس، أو عبد الرحمن مجيد الربيعي، أو صلاح زنكنة، أو أمجد توفيق، أو فؤاد التكرلي، أو المرواتي، أو فاضل العزاوي، أو عبد الستار ناصر، أو لطيفة الدليمي، أو حميد العقابي، أو محسن الرملي، أو بثينة الناصري، أو علي بدر، أو وارد بدر السالم، أو عبد الأمير مجر، حتى لو كان على وضوء، فهو رقيع في كل شيء، لا سيما في انحطاطه الروحي والعقلي حين ذهب إلى الكيان الصهيوني متسولاً الشهرة، والمال، والحضور الإعلامي. الأوصاف التي أطلقها “والي” على محمود درويش تشير إلى حقيقة قولة العرب “كل إناءٍ بما فيه ينضح”، لأن “والي” كائن تجول فيه الشناءة تجوال الريح الغبور بالأوراق الصفر وقِشاش النباتات اليابسة، لأن الأعمى عن شهداء فلسطين ودمائهم – يا نجم والي – سيظلُّ أعمى عن كل شيء، وأعمى في كل شيء!
Hasanhamid55@yahoo.com