مسلسل “باب الحرائق” يلتهم آلاف الهكتارات والبلديات تصب الزيت على النار!!
في فصل الصيف، وفي كل عام، يستفحل مسلسل الحرائق، لتلتهم النيران آلاف الهكتارات من القمح والشعير التي تتحول من ذهب أصفر إلى فحم ورماد بعد أن تحرقها أيادي الإرهاب للتضييق على المزارعين، أو أيدي فاعلين مخربين أو تجار؛ ولكن في هذا الموسم ثمة أماكن يكثر فيها الزرع والأعشاب الكثيفة، ما سهّل اشتعال الحرائق في وقت يتهم الأهالي رؤساء الوحدات الإدارية بالتقصير والترهل، وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لدرء الحرائق، أو التقليل من حجم الخسائر، مشيرين إلى ضرورة استنفار الوحدات الإدارية والبلديات، والعمل على فصل الأعشاب عن بعضها البعض كيلا تصل النيران إلى مساحات واسعة في حال حدوثها، إضافة إلى تعاون المجتمع المحلي والروابط الفلاحية بتوجيه المزارعين لحراثة الأراضي وإزالة الأعشاب منعاً من حدوث الحرائق.
عدم استجابة
تظهر هنا أهمية التنسيق بين جميع الجهات الشبابية والنقابية والجمعيات المعنية بالبيئة والبلديات للتعاون من أجل تشكيل فرق وحملات لإزالة الأعشاب، لأن الحرائق تتسبب بخسارة كبيرة للثروة الحراجية، وبالتالي يجب عدم ترك الأعشاب حتى لا تكون بمثابة وقود مجاني لمفتعلي الحرائق.
ويؤكد الأهالي من ريف دمشق على عدم استجابة البلديات لشكاوى المواطنين بخصوص إزالة الأعشاب، ما يسهّل احتراق المساحات الكبيرة، معتبرين أن تدخل الجهات المعنية لا يأتي إلا بعد حدوث الحريق والتهام النيران للمزروعات أو الأعشاب، أي كما يقال في المثل: “بعد وقوع الفأس بالرأس”.
تعليمات مشددة
كانت محافظة ريف دمشق قد أصدرت تعميماً إلى الجهات المعنية بخصوص حماية المنشآت وموسم الحصاد، وطلبت إزالة الأعشاب حول المنشآت، والتخلص منها، مع تجهيز الآليات، والاستعداد لمواجهة الحرائق، وتوجيه الجمعيات الفلاحية من أجل التعاون مع فرق الإطفاء، والاستفادة من الإمكانيات المتوفرة: “جرارات، ومقطورات مياه..”، إضافة إلى تحضير الطرقات الحراجية، وأبراج المراقبة، ومصادر تأمين مياه الحريق، وغيرها لحماية الحراج والغابات من أخطار الحرائق، وتنظيم إدارة مواقع الحرائق، والتعاون مع الجهات المعنية والجهات الداعمة من خارج المحافظة.
وشددت التعليمات حسب كتاب المحافظة على ضرورة الابتعاد تماماً عن تقاذف المسؤوليات فيما بين الجهات ذات الصلة، مع التأكيد على أهمية التوعية والجانب الإعلامي لضرورة تعاون المواطنين في الحفاظ على الحراج، والتواصل المباشر مع قسم الجاهزية في المحافظة في حال نشوب أي حريق.
ومع كل هذه التعليمات والتشديد، يستغرب المراقبون صحوة المعنيين بعد حدوث الحريق، متسائلين: لماذا لا تكون الإجراءات الواقية قبل حدوث ما لا تحمد عقباه؟!.
محاضر وتعاون
أوضح مدير زراعة ريف دمشق المهندس عرفان زيادة أن المديرية قامت بعقد اجتماع مع قائد فوج الإطفاء ودائرة الحراج، حيث تم الاتفاق على عدة بنود، وتقديم كل الدعم والتسهيلات بتزويد آبار مديرية الزراعة بآليات الإطفاء بالمياه وقت نشوب الحرائق، إضافة إلى توزيع العمل خلال الموسم الحالي وفق محاور في المحافظة، ووضع نقاط وآليات وسيارات إطفاء حسب الإمكانيات المتاحة.
وأشار زيادة إلى توجيه مجالس المدن والبلدات بالاستنفار وزج كافة آلياتها وآليات المجتمع المحلي، وخاصة الصهاريج والتركسات والجرارات لمؤازرة الإطفاء عند نشوب الحرائق، مع تأمين الكوادر البشرية من عمال وسائقين وفنيين للمناوبة على مدار الساعة، إضافة إلى مخاطبة الجهات المختصة من أجل مؤازرة وتسهيل وتأمين مهمة عناصر مديرية الزراعة وفوج الإطفاء، وخاصة عند نشوب الحرائق الحراجية والزراعية.
1156 حريقاً
ولم تك الحرائق مقتصرة على الأراضي الزراعية والحراجية، حيث لم تسلم المعامل من الحرائق بسبب تقصير أصحابها من خلال تكديس البضائع بالمستودعات بصورة غير صحيحة، أو بسبب أحمال كهربائية زائدة، إضافة إلى عدم اتخاذ إجراءات السلامة الموجودة من أجهزة إنذار أو أجهزة اتصال مباشر بمراكز الإطفاء، وعدم وجود جهة رقابية للتأكد من هذه الإجراءات، وإجراء ضبوط، مع التأخر في الإبلاغ عن الحرائق، ما يؤدي إلى ضعف القدرة في السيطرة على الحريق، وذلك بناء على كلام المعنيين في فوج إطفاء ريف دمشق، حيث نوّه قائد الفوج العميد محمد الجردي بتعاون مديرية الزراعة والجهات المعنية مع عناصر الإطفاء عند نشوب الحرائق، علماً أن فوج الإطفاء في استنفار كامل على مدار الساعة رغم قلة العناصر والآليات، مبيّناً أن عدد الحرائق منذ بداية الشهر الخامس لهذا العام ولغاية الآن وصل إلى 1156 حريقاً، علماً أن الحرائق بدأت بالتناقص تدريجياً في الشهر السادس نظراً للاحتياطات والإجراءات المتخذة، وكان أكبر حريق بمساحة 70 دونماً من القمح والشعير في منطقة الكسوة.
معاناة وصعوبات
لم يخف قائد الفوج مشكلة نقص سيارات الإطفاء، حيث لا يوجد سوى 18 سيارة إطفاء، لذلك هناك صعوبة بتخديم كافة المناطق، لافتاً إلى أن قلة السيارات والعاملين لا تتناسب مع مساحة أراضي الريف، وعدد السكان، والمعامل الكثيرة.
ويأمل الجردي أن يتحلى المواطن بقدر كبير من الدقة عند الإخبار عن وجود حريق، لاسيما أن هناك اتصالات من مواطنين عن نشوب حرائق غير دقيقة، ما يربك العاملين ويهدر الوقت والجهد ويعطّل عن مهمة أخرى، كاشفاً عن اتصال تلقاه فوج الإطفاء عن حريق في إحدى المناطق ليتبيّن أن أحد المواطنين يقوم بشواء اللحم على سطح البناء.
ودعا قائد الفوج الجهات المعنية إلى النظر بوضع عناصر الإطفاء، وضرورة تحسين الوضع المعيشي، وخاصة أن طبيعة العمل مازالت 30 ليرة فقط.
وكان مجلس المحافظة قد ركز في جلساته على رفع توصيات بزيادة سيارات الإطفاء لمنع الحرائق أثناء حصاد محصول القمح، وخصوصاً بعد ازدياد الحرائق في الفترة الأخيرة.
إشارات استفهام
يشار إلى أن إحصائيات فوج الإطفاء في العام الماضي عن عدد الحرائق بلغت 830 حريقاً حتى نهاية شهر أيار، ووصل عدد الحرائق في الشهر نفسه إلى 270 حريقاً، ومع مقارنة عدد حرائق العام الماضي بالعام الحالي، وخاصة الشهر الخامس نرى تزايد عدد الحرائق لهذا العام، ما يترك إشارات استفهام كثيرة عن مصداقية الاستعدادات واتخاذ الإجراءات الوقائية، وخاصة من قبل البلديات التي تعتبر الخط الدفاعي الأول في مواجهة الحرائق، وذلك بالمبادرة لإزالة الأعشاب، ومتابعة الفلاحين، والتأكيد على حراثة الأراضي.
علي حسون