الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

إنّه زمن الفرْز

عبد الكريم النّاعم

– قال: “.. كما ترى الآن، المنطقة حولنا – ونحن في عين العاصفة – كلّها مشغولة بقانون قيصر الأمروصهيوني، حتى لكأنّنا سوف ندخل زمناً جديداً، ولا نضيف الكثير إذا قلنا إنّ بعض القلق، أو كثيره، يتسرّب إلى النفوس، حتى لكأنّ ما نحن فيه من ضائقة عامّة، إلاّ ما رحم الشّفط، لا يكفي هذا الشعب الصابر، الذي أصبح كلّ همّه كيف يتدبّر لقمته، وقوت عياله”!

– أجابه: “لا أزعم أنّ لديّ ما يشكّل إضافة لا مزيد عليها، بيد أنني أحمل وجهة نظر تحليليّة في موقع المركز، المحرّك لهذا الصراع، والذي أشرتَ إليه بأنّه خطوة أمروصهيونيّة، وأشير إلى ما ذكرتُه مراراً في أحاديثنا المتبادلَة، وهو أنّ كلّ ضغوطات الخارج لا تبرّر انتشار الفساد، والرشوة، وفلتان الأسعار، والتي هي في قسم كبير منها من نواتج تلك الحرب التي شُنّت علينا منذ تسع سنوات، ودليل ذلك أنّ الأمور، لو رجعنا إليها قبل هذا الزمن، لم تكن كما هي عليه الآن.

صحيح أنّ السلبيّات التي تراكمت في إدارة شؤون حياتنا قد ساهمت بهذا القدر أو ذاك في “بعض” ما نشكو منه، غير أنّ بعضها الآخر كان ناتج ذلك الخراب العربيّ الذي تكالبت فيه علينا أمم بعينها، وهذا يوجب أن تكون المعالجات الداخليّة بحجم التحدّيات الخارجيّة، مضافا إليها الكثير من الحزم لضبط الفلتان، وحسنو النيّة الذين ظنّوا أنّ مفاعيل ذلك الخراب ستنتهي بدحر الدواعش والإخوان المسلمين، ومَن آزرهم.. هؤلاء كانوا مشدودين إلى التمنيّات أكثر من انشدادهم لمعطيات الواقع ومجرياته.

– قاطعه: “أنا أريد أن أصل إلى قانون قيصر”.

– أجابه: “قليلاً من الصبر، ومع ذلك سأنتقل مباشرة إلى ما ذكرت، قانون قيصر، كما أجمع المحلّلون على أنّه السهم الأكثر إثارة، وما أظنّه الأخير، لأنّ أمريكا ستظلّ تعبث بالمنطقة، ولن تتوقّف إلاّ مدحورة، أو عاجزة.

هنا اسمح لي أن أشير إلى نقطة مفصليّة وهي أنّ “إحدى” غايات هذا القانون تحريض الشرائح الاجتماعيّة الشاكية ممّا تُواجه في وجه ما يسمّونه هم “النظام”، وبذلك تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، لأنّ ذلك قد يثير الكثير من الارتباك، كما يُبلبل النفوس، في وقت نحن أحوج ما نكون إلى اللّحمة الواعية البصيرة، للمحافظة على وحدة النسيج الاجتماعي، ولمساعدة مَن يتصدّى لتلك البوادر الداخليّة المُحبِطة.

على مستوى المنطقة، وهذا شيء مركزيّ، أنا أرى أنّنا قد دخلنا زمن الفرز، لقد مرّت عقود طويلة ونحن نحاول ألاّ تتفجّر المنطقة داخليّا بسبب سياسات المرتبطين جذريّا بالعجلة الأمريكيّة، وكانوا شركاءنا في اتخاذ القرارات في مؤتمرات القمم “العربيّة” المتعدّدة، فلم نحصل إلاّ على المماطلة، والتسويف، و”التلطّي القومي”.

الآن، سيجري فرز المنطقة كلّها: إمّا مع مشروع تحرير فلسطين، لاستئصال تلك الغدّة السرطانيّة، وإمّا مع تل أبيب وواشنطن، وها أنت ترى السعوديّة ومعظم دول الخليج قد خلعت برقع الحياء، وذهبت للتطبيع، وللتخلّي عن القضيّة الفلسطينية، وبقناعتي أنّه إن فرضت الظروفُ قيام حرب واسعة في المنطقة، فسوف يحاربون مع إسرائيل بما زوّدتهم به واشنطن من أسلحة، وذلك هو الفرز المبين، وهو فرز حكّام لم يكونوا صادقين في يوم حتى فيما وافقوا عليه من قرارات.

الحكّام المرتبطون بواشنطن وتل أبيب في جهة، وحلف المقاومة وجماهير هذه الأمّة كلّها في جهة أخرى، أنت تابعت مثلي أنّنا لسنا وحدنا في هذه المعركة، فأصدقاؤنا، وحلفاؤنا معنا، ولديّ أمل في أن ينقلب السحر على الساحر.. قد نعاني أكثر، وقد يشتدّ استكلاب الأعداء في الداخل والخارج، وسيكون محور المقاومة – كما عهدناه – صادقا وجريئا، والذي لاشك فيه أنّ آخر خطاب للسيد نصر الله قد وضع النقاط على الحروف، فقد قال كلاما لا لَبْس فيه: “لن نموت جوعاً”، وربّ ضارْة نافعة، وأذكّر هنا بالمقولة المعروفة “النصر صبرُ ساعة”، وألفت إلى أنّ جنرالات إسرائيل، كما أعلنوا قبل أيام، بدؤوا يخطّطون للحرب على أكثر من جبهة”.

aaalnaem@gmail.com