50 ألف طن كرز الإنتاج المتوقع.. الفلاح في مربع الاستغلال والمعادلة غير متوازنة!!
ريف دمشق – عبد الرحمن جاويش
مع كل موسم كرز وفير نلحظ غصة كبيرة تكاد تخنق نفوس المنتجين الزراعيين، فترتفع أصواتهم في كل الاتجاهات، ومع ذلك يتكرر المشهد المؤلم وتتعالى الأصوات جراء خوف الفلاح على إنتاجه من التلف وتساقط الثمار وانخفاض الأسعار وارتفاع مستلزمات الإنتاج وغياب التسويق ولكن دون جدوى، فالمنتج – الفلاح – يتابع عمله طيلة أيام السنة ويقوم بتنفيذ كافة العمليات الزراعية من فلاحة وتسميد وتقليم ورش تستمر طيلة العام ولا تنتهي حتى تبدأ، هذا الفلاح لا يحصل إلا على جزء يسير مما يحصل عليه بائع المفرق الذي لا يبذل أي جهد ولا يتحمل أية مخاطرة أو نفقات.
وهذه المعادلة غير المتوازنة بين المنتج والتاجر والجهات المعنية بالتسويق، سيظل يحكمها الألم والمعاناة والخلل ويغيب عنها منطق المتابعة والاهتمام، لا جديد هذا العام عن الأعوام السابقة، فالأسعار التي يعرضها الضَمانة ووسطاء الشراء بين الفلاح والسوق هي إعلان صريح بنية النهب والاستغلال، ومع غياب أي أثر للأجهزة الرقابية، وغياب قنوات التسويق الحكومية لكامل محصول الكرز، وقع الفلاح مجدداً في شباك الاستغلال والفساد. وقد ارتفعت أسعار تكاليف الإنتاج الزراعي بشكل جنوني بدءاً من أسعار عبوات الرشوش وكيلو السماد عموماً التي ارتفعت أكثر من 5 أضعاف، لأنها مرتبطة بالدولار، ثم هناك تكاليف الحراثة والتقليم وعملية الرش، والتي ارتفعت جميعها بسبب ارتفاع سعر ليتر المازوت الحر، ليباع ما بين 450 – 700 ليرة في الشهرين الأخيرين، مع عدم إمكانية تأمين الكميات المطلوبة من الدولة، طبعاً يضاف إليها ارتفاع تكاليف اليد العاملة، مع ملاحظة أن أجرة اليد العاملة لم ترتفع أبداً بالنسبة نفسها لارتفاع باقي التكاليف، ناهيك عن ارتفاع تكاليف المعيشة الكارثي، والفرق شاسع بين أجرة اليد العاملة عموماً والزراعية خصوصاً، بسبب العرض الكبير من اليد العاملة في السوق الزراعية.
مع بدء الموسم كانت مطالب المزارعين تتمثل بأن يتم استجرار كامل المحصول من قبل السورية للتجارة، من أجل الحد من جشع التجار واستغلال السماسرة، بالإضافة إلى تعويضهم عن خسائر الأضرار التي لحقت بمحصولهم بنتيجة سوء الأوضاع الجوية. وقد أشارت بعض التقارير الزراعية إلى أن نسبة الضرر بسبب العوامل الجوية خلال فصل الشتاء الماضي كانت أكثر من 70 % في محصول الكرز. فمتى نجد حلولاً جذرية لهذه المشكلات العالقة؟.
وحول ذلك أوضح لـ “البعث” مدير زراعة دمشق وريفها المهندس عرفان زيادة قائلاً: لعل مشكلة الفلاحين المنتجين لمادة الكرز في بعض مناطق المحافظة تحكمها الظروف التي تمر بها بعض المناطق ومعاناة الفلاحين على أشدها، ما يعني التسبب بخسارة محتملة للمنتجين في حال عجزهم الوصول إلى حقول الكرز وقطافه وعدم توفر مستلزمات الإنتاج، ونحن في اتحاد الفلاحين نتعاون مع كافة الجهات الزراعية لإيجاد صيغة لإنصاف الفلاح وتنصفه بوضع أسعار للمحصول استناداً إلى الكلفة الفعلية للإنتاج.
وبيّن زيادة أن هناك جهوداً كبيرة تبذلها وزارة الزراعة بمساعدة الفلاحين المنتجين لمادة الكرز من تقديم بذار وأسمدة وغيرها، بغية زيادة الإنتاج لهذا الموسم، ومن المتوقع أن يزيد الإنتاج في العام الحالي ليصل إلى 50 ألف طن.
يذكر أن أصناف الكرز في محافظة ريف دمشق تمتاز بالتنوع بين الطلياني – العجمي – بنك – فرعوني – أبو حظ – قلب الطير الأبيض السكري – النواري – ويزرع في الزبداني ويبرود وقطنا وجبال النبك، ومازال الفلاح يعاني تسويق المادة بوجود صعوبات في عمليات التصدير، ويضطر الفلاحون لتخزين المادة أو بيعها للتجار والسماسرة، وهناك صعوبات في تأمين مادة المازوت والكهرباء ما يرتب على الفلاح أعباء إضافية عدا عن ارتفاع أسعار اليد العاملة والأدوية الزراعية والسماد وصعوبة النقل والتنقل من منطقة لمنطقة.
في النهاية، إن لم يكن هناك حلول سيبقى الفلاح رهينة الاستغلال في السوق، بين أسعار تكاليف الإنتاج ارتفاعاً، والتي يتحكم بها التجار، وبين أسعار المحصول انخفاضاً، والتي يتحكم بها الضمانة والتجار والسماسرة أيضاً، مع الأخذ بعين الاعتبار تحكم هؤلاء بوسائط النقل أيضاً، حيث من الصعوبة بمكان تأمين شاحنة نقل لمن قد يتبادر لذهنة نقل محصوله إلى أسواق الداخل في المحافظات الأخرى، كما من الصعوبة بمكان أن يتم التمكن من تأمين مستودعات تخزين مبردة للمحصول عند قطافه لتسويقه لاحقاً، باعتبارها تحجز مسبقاً من قبل التجار والضمانة، والنتيجة: أن الفلاح وموسمه ومعيشته ومستقبله أصبحت عاماً بعد عام رهناً للسوق ولجشع التجار، برغم كل الحديث الرسمي عن الدعم والدور التسويقي.