باحث يقرع ناقوس الخطر.. تحصين المياه الجوفية والمزروعات من ملوثات المقابر!
دمشق – فداء شاهين
لعل غياب التخطيط الهندسي في اختيار مواقع مقابر دفن الموتى بدأ ينذر بكارثة بيئية خطيرة جداً على الصحة العامة في حال تسربت مخلفات التعفن والتحلل للجثث إلى المياه الجوفية، أو إلى المزروعات القريبة من المقابر، في وقت غابت إجراءات حماية وتحصين المياه الجوفية في الأرياف والمدن.
وأوضح عميد كلية الهندسة المدنية في جامعة البعث الدكتور معن صالح السلامة لـ “البعث” أن مكونات القبور هي مصادر ممكنة لتلويث المياه الجوفية والسطحية، وهذا مؤكد علمياً، وأيضاً تلويث التربة والهواء، ويعود ذلك لسببين: أولاً ارتشاح البكتريا والفيروسات المسببة للأمراض الناتجة عن تعفن الجثث، إضافة إلى النواتج الكيميائية الناجمة عن تحلل الجثة، وتستمر على مدى أكثر من عشر سنوات، ويتم الانتقال إما عن طريق ارتفاع سطح المياه الجوفية إلى مناطق قريبة من خمسة أمتار تسمى منطقة التهوية، أو من خلال الهطولات المطرية والسيول التي تؤدي إلى جرف الترب وانتقالها إلى أقرب تجمعات مائية، لهذا السبب تم اقتراح منظومة متكاملة من المعايير الهندسية اللازم اتباعها، إضافة إلى برنامج مراقبة للمقابر القائمة، ويجب أن يكون هناك تخطيط عمراني لاختيار موقع المقابر المناسب، بحيث نستطيع أن نتلافى مخاطر هذا الموضوع.
وبيّن السلامة أن ثمة تأثيراً لملوثات المقابر على الإنسان في حال تسربت إلى المياه، حيث رصد المكتب الإقليمي في منظمة الصحة العالمية أكثر من 30 نوعاً من البكتريا، ومنها فيروس شلل الأطفال، إضافة إلى مكونات الجثث، مثلاً رصدت في مناطق في العالم مدة بقاء بكتريا فيروس شلل الأطفال حياً بـ 84 يوماً، وارتحل إلى مسافة 900 متر في نوع من أنواع الترب، وفي استراليا وصل إلى مسافة 9 كم في الترب الرملية، إضافة إلى انتقاله للمحاصيل الخضرية التي تزرع بجوار المقابر، ويتناولها الإنسان وتسبب الموت المفاجئ من دون معرفة السبب، وكذلك وجود آبار بالقرب من المقابر، وحذرنا سابقاً من هذا الموضوع، لاسيما أنه تم البدء بالمشروع من خلال تحريات لبعض الآبار والقيم التي يتم اختبارها منذ عام 2008، وكان على ثلاثة محاور: الأول فهم آلية التحلل لمكونات الجثة، وكيفية انتقال الملوثات عبر المياه الجوفية، علماً أن محافظة حمص طلبت منا تصدير منظومة تشريعات ومعايير، كون التشريع المائي لم يلحظ هذا الموضوع وتم رفعه، ولم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن، وكذلك عدم وجود معايير هندسية وفنية، ولا حتى توفر أنظمة قياس ومراقبة للتأثيرات البيئية للمقابر القائمة، ولا توجد بحوث علمية انتشرت في هذا المجال، بينما الدول المتقدمة سبقتنا في هذا المجال.
وأعطى السلامة مثالاً حول مكونات جثة رجل بالغ وزنه 70 كغ تتضمن 16كغ كربون، و7 كغ هيدروجين، و1800 نتروجين، كالسيوم وفوسفور وكبريت وبوتاسيوم وبكتريا، وإذا أخذنا مساحة 1500 متر مربع، ومعدل الوفيات سنوياً 500 جثة دفنوا فيها، فخلال العام الأول سيكون حجم التحلل تركيز النترات 14.43 غراماً باللتر في حال وصل إلى المياه الجوفية، وهذا خطير جداً، وبعد مرور 10 سنوات وانتهاء التحلل سيزداد تركيز النترات.
وبالنسبة للمقابر الجديدة، بحسب السلامة، تم وضع شروط للتخطيط للمقبرة، ويجب أن يكون هناك توجه بعدم إنشائها في منتصف المدن، وحالياً يتم اختيار المناطق التي لا تصلح للتأهيل السكاني، ويجب اتباع معايير خاصة في مرحلة الإعمار، مع مراعاة خصوصية العادات والتقاليد، أما المقابر القائمة فيجب إخضاعها لبرنامج مراقبة فعال على المدى القصير، وعلى المدى المتوسط، والطويل، فلكل مجال اختبارات خاصة.