قطاع “الوجع” والجشع..!
لا شك أن التأمين الصحي في سورية يواجه كثيراً من المصاعب المالية والفنية والإجرائية، سواء للمُشمَّلين فيه بشكل عام، أم للمُشمَّلين فيه من العاملين في القطاع الحكومي (من ذوي الدخل المحدود) بشكل خاص، وهذا أمر موضوعي في ظل متوالية الظروف الاقتصادية وغير الاقتصادية المتغيّرة سلباً على هذا القطاع.
واقع فرض اختلافاً إن لم نقل خلافاً، ما بين جميع الأطراف المقدمة لخدماته: الجهات المُمَثِلة للحكومة (هيئة الإشراف على التأمين والمؤسسة العامة للتأمين)، ومقدمو الخدمات: شركات التأمين من ناحية والمتعاقدون معها من مشافٍ وأطباء ومخابر وصيادلة، ما أدى لعزوف عدد من مقدّمي تلك الخدمات بسبب ارتفاع تكاليف مستلزمات العمل!.
تغيّرات فرضت، منطقياً، إجراء تعديلات على بوليصة التأمين للعاملين بالقطاع الإداري، بهدف الوصول إلى خدمات أفضل، بعدما حدث من تدهور واضح في مستوى تلك الخدمات وجدواها، ما حرم المؤمّن لهم من الحق في خدمة تليق بهم ولو في حدود مقبولة!
غير الموضوعي – وفقاً لمعلوماتنا المؤكدة – أن الموافقة على الدراسة التي أُنجزت ورُفعت إلى رئاسة مجلس الوزراء في الشهر الأول من العام الجاري 2020، وتمّ بموجبها تعديل أسعار بوليصة التأمين الصحي (تعديل أسعار الوحدة الطبية والوحدة الجراحية والوحدة المخبرية والوحدة الشعاعية..)، جاءت بتاريخ الثامن من هذا الشهر، أي بعد مضي أكثر من خمسة أشهر!
أما المفارقة، فهي أن الأسعار التي تضمنتها الدراسة، آنذاك، كانت محدّدة وثابتة ولم تتماشَ مع ما طرأ واستجد من متغيرات، ومع ذلك لم تُلحظ هذه الإشكالية، رغم مرور الأشهر الخمسة؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان حُدّد سعر الوحدة المخبرية بـ 600 ليرة، لكن الموافقة جاءت – وبعد 5 أشهر – على 300 ليرة!
خمسة أشهر، كانت خارج التغطية الرقابية، حيث أصبح تأميننا الصحي كـ “حارة كل مين أيدو إلو..”، وكل مزوّد خدمة، وخاصة الأطباء والمخابر والأشعة، أصبح يسعّر “على كيفه”، ويحمّل المؤمّن له، مبالغ مالية، خارج إطار أي ضابط واتفاق أو حتى مراعاة للحالة الإنسانية، ما جعل من التأمين الصحي مكمناً للمتاجرة والتربح المؤسف، من منطلق مقولة “ما عاد توفي..!”، حتى أصبحنا نعتقد أننا في قطاع سوق الهال، وليس في قطاع صحي تأميني، يعدّ من أرقى القطاعات الخدمية وأكثرها ربحاً في العالم، ناهيكم عن الجانب الإنساني والأخلاقي، الذي لم يعد له أي حساب في زمن المتاجرة بكل شيء!!
الدولة تحمّلت، والمؤمّن له تحمّل، وتحمّلهما زيادة مالية وازنة، وصلت إلى عشرات المليارات من الليرات شهرياً (نتحفّظ عن ذكر الرقم لحينه).. مليارات تدفع لسوق محتكر من قبل عدد من شركات التأمين، ومن مزوّدي الخدمة، يجب أن يكون له مقابل، والمقابل لا بد أن ترضى فيه تلك الأطراف بالربح القليل من العدد الكبير (على الأقل في المرحلة الحالية..).
وهذا إن تحقق، أو لم يتحقق، فيجب أن يكون منطلقاً لقرارات ملزمة حازمة، لأن من يَتَمَنَّع عن الوقوف مع وطنه في محنته ومواطنه في معاناته، لا يستحق أن يكون في هذا القطاع نهائياً، ولا ملامة في ذلك أبداً، فالثروات التي جُمِعَت من هذا القطاع دون تعب أو رأس مال أو أدوات إنتاج وعمال و..و.. في زمن “البحبوحة”، لو أميط اللثام عن حقائق جَنْيهَا، لهالنا كمّها وقيمها ومن حصل عليه!
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com