دراساتصحيفة البعث

مشهد الانتخابات الأمريكية من وجهة نظر صينية

عناية ناصر

 

تقوم منظمة ANBOUND، بوصفها إحدى أقدم المنظمات في الصين، بإجراء أبحاث تتعلق بالانتخابات الأمريكية، حالياً ومن وقت لآخر تنشر دراسات وأبحاث عن الانتخابات الأمريكية لعام2020، وقد أظهرت النتائج الإجمالية التي تم التوصل إليها أن سياسات ترامب تعيق احتمالات إعادة انتخابه، مقابل ذلك أظهر جو بايدن، الذي تمكن من توحيد الأجنحة المختلفة داخل الحزب الديمقراطي، نتائج أكثر إيجابية.

وجاءت حادثة مقتل جورج فلويد لتؤثر بشكل واضح على النتائج المحتملة للانتخابات الأمريكية، ويعتقد باحثو العلاقات الدولية في منظمة ANBOUND   أن النقاط التالية تستوجب لفت اهتمام جميع المحللين المعنيين بالانتخابات:

– أظهرت إدارة ترامب عدم كفاءة هذا الزعيم الشعبوي في الرد على مقتل فلويد، كما أنها تجاهلت اللوم الذي وجهه إليها الناس بسبب ردود فعلها السيئة في تعاملها مع جائحة كوفيد-19 من خلال إلقاء التهم على الصين ومنظمة الصحة العالمية، إن لعبة إلقاء اللوم على الآخرين لم تعد قادرة على أداء غرضها في حادثة مقتل فلويد وكوفيد-19، والسبب هو عدم قدرة ترامب على قيادة البلاد، كونه مهتماً فقط في إرضاء المجموعة الأساسية من مؤيديه، وكان بإمكان ترامب الإبقاء على موقف محايد في خطابه بشأن مقتل فلويد، مثل أي سياسي، وكان بإمكانه مسايرة الرأي العام لمنع وقوع المزيد من الأحداث، وكسب تأييد بعض الناخبين السود، ومنعهم من الانضمام لمؤيدي بايدن، لكنه، وبدلاً من ذلك، فاقم الوضع وجعله أسوأ من خلال اتهام حكام الولايات بـ “الحماقة”، ومن خلال إقامة جدار حديدي حول البيت الأبيض، واستخدام العنف لتفريق المتظاهرين السلميين، وتسبب كل ذلك في تأزم الحادثة أكثر، وأصبح من الصعب حلها، لذلك، سيخسر ترامب الناخبين السود في انتخابات 2020، وهو أمر يدركه البيت الأبيض تماماً.

– أثار رد فعل ترامب تجاه الحادثة مزيداً من الانقسام داخل الحزب الجمهوري نفسه، ففي 8 حزيران أعرب كولن باول، وهو أحد أبرز صقور الجمهوريين في العقدين الماضيين، والذي كان يقدم مثالاً نموذجياً عن قصة نجاح “الحلم الأمريكي”، عن دعمه لبايدن،. وباعتباره أول أمريكي من أصل أفريقي في التاريخ الأمريكي يعمل كوزير للخارجية ، وأول من يشغل مناصب رئيسية في العديد من الإدارات الجمهورية، فإن دعم باول العلني لبايدن يؤكد بلا شك أن الأمور قد تغيرت، خاصة أنه اتهم ترامب بأنه كاذب، وأنه تهديد للديمقراطية الأمريكية، وإضافة لباول، أعرب اثنان من كبار المسؤولين السابقين في إدارة ترامب، هما وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، ورئيس أركان البيت الأبيض السابق جون كيلي، عن وجهات نظر مماثلة، كما صرح جون بولتون، المستشار السابق للأمن القومي، وبشكل علني، أنه سواء سمح البيت الأبيض أم لا، فإنه سينشر كتابه الجديد الذي قد يحتوي على أدلة مباشرة كافية لإدانة ترامب في  قضية ما يسمى روسيا غيت، حتى إن المشرعين الجمهوريين الذين دعموا ترامب بقوة في الماضي لم يعد يظهرون ذلك  في المقابلات مع وسائل الإعلام، لقد حوّل ترامب، مع تنامي الاتجاه الشعبوي منذ “حركة حزب الشاي”، الحزب الجمهوري القديم الذي كان يقوم في الماضي على النخبوية إلى “حزب ترامب”، لكن الفصيل المؤيد للمؤسسة في الحزب الجمهوري لايزال يعلن تحديه لترامب، وقد تساعد معارضة هذا الجناح في منع ترامب من تحقيق أهدافه في إعادة انتخابه، ومن وجهة نظر أخرى، فإن هذه الأزمة قد تكون بمثابة “القشة التي قصمت ظهر البعير”، فإذا تدهور الوضع أكثر، فسيتعين على الحزب الجمهوري  مواجهة الخيار بين الوقوف إلى جانب ترامب والغرق، أو التخلي تماماً عن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 للحفاظ على تأثيره وقوته على امتداد السنوات القليلة المقبلة.

– استفاد بايدن من حادثة مقتل فلويد، فالإجماع على بايدن ينطلق من أنه يشدد على الاستقرار، لدرجة أنه يصبح، في بعض الأحيان، مملاً بسبب ذلك، لكن وجهة نظره ليست بعيدة المنال، لاسيما أنه بدا، خلال محاولة عزل ترامب، كأبرز الشخصيات في الحزب الديمقراطي، إضافة إلى نانسي بيلوسي وآدم شيف، وحاكم نيويورك، أندرو كومو، ومن ناحية ثانية، استفاد بايدن من الحادث بعد أن أدرك القوة السياسية التي تملكها المظاهرات الاحتجاجية، على خلاف ترامب الذي كان يختبئ بعيداً في البيت الأبيض، ظهر بايدن بين المتظاهرين، منتهزاً الفرصة من خلال تواجده بين المتظاهرين السود، كما ذُكر أن بايدن كان ينوي حضور جنازة فلويد في هيوستن، ولكن، بما أن عائلة فلويد لم ترد ظهور أفراد الخدمة السرية في المكان، فقد ظهر بايدن على الفيديو بدلاً من ذلك، ووفقاً لأحدث استطلاعات الرأي، فإن نسبة مؤيدي بايدن، على الصعيد القومي، وصلت إلى 55٪، متفوقاً على ترامب بنسبة 14٪، وللمقارنة، لم تتجاوز نسبة ما حصلت عليه هيلاري كلينتون في الاستطلاع الوطني عام 2016 الـ 50٪، مع الإشارة إلى أن 88٪ من السود لم يؤيدوا ترامب، فيما يعتقد 84٪ ممن استطلعت آراؤهم أن الاحتجاجات الأخيرة “مبررة”، وأعرب 65٪ عن رفضهم لرد فعل إدارة ترامب، وعلى هذا، وبعد أخذ جميع الأمور في عين الاعتبار، لم يكن من المستغرب أن يتراجع ​​تأييد ترامب إلى 38٪، وبشكل عام، ورغم أن كثيرين قد يجدون استراتيجية حملة بايدن تقليدية ومملة إلى حد ما، إلا أن بايدن أثبت أنه لايزال سياسياً ذا خبرة كبيرة، وفيما لو تمكن بايدن في النهاية من الفوز بانتخابات  عام 2020، فإن سلسلة أفعاله في “حادثة جورج فلويد” ستكون أحد العوامل الرئيسية التي أسهمت في انتخابه.

– لم يتوقف تأثير حادثة جورج فلويد على الانتخابات الأمريكية لعام 2020، والاحتجاجات لاتزال مستمرة، في الوقت الحاضر، وتتزايد، والعنف أصبح أقل، لكن ما هو أبعد من ذلك، أن الاحتجاجات أصبحت عالمية، هناك احتجاجات مماثلة، معظمها سلمية في المملكة المتحدة وكندا واستراليا وجنوب أفريقيا واليابان وفرنسا واسبانيا وبولندا وحتى كينيا، وفي الولايات المتحدة، بدأ المزيد من الناس في إدراك المشاكل الممنهجة التي تقف وراء حادثة فلويد، وهي ضرورة الإصلاح في النظام القضائي الأمريكي، والتمييز الممنهج في فريق تطبيق القانون الأمريكي، وبعبارة أخرى، فإن الحادث ينسجم مع اتجاه “الاحتجاجات المناهضة للحرب” التي بدأت في الستينيات من القرن الماضي.

لم تبلغ الحركة بأكملها ذروتها بعد، وقد تستمر حتى إجراء الانتخابات العامة لهذا العام، وسيكون لهذه الحركة الاجتماعية الخاصة، هذه المرة، تأثير دائم على الساحة السياسية الأمريكية، وعلى المجتمع بأكمله، وسيكون تأثير حادثة مقتل جورج فلويد على الانتخابات الأمريكية، كما ترى منظمة ANBOUND   أن احتمالات ترامب بالانتخابات أصبحت أكثر سلبية، ويبدو أن ترامب نفسه يراهن في آماله فيما يسميه “الأغلبية الصامتة”،  حيث تظهر ملاحظات ANBOUND أن مثل هذه الجماعات موجودة فعلاً، وأن أفرادها داخل المجتمع الأمريكي مثار تساؤل، كما هو الحال في مدى تداخلها مع “الكتلة الصلبة” من مؤيدي ترامب، وفيما يتعلق بترامب، فإن الإجابة عن ذلك قد لا تبدو مواتية تماماً، وتؤكد  ANBOUND أن أصحاب المواقف الوسط، أو أولئك الذين يفتقرون إلى موقف سياسي واضح سيؤثرون بشكل مباشر على نتائج الانتخابات الأمريكية في عام 2020.

صحيح أن لكل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري مجموعته من المؤيدين المتفانين، لكن الموقف السياسي للوسط هو الذي سيكون متأرجحاً بعد الحركات الاجتماعية، وهو الذي سيحدد مسار اللعبة السياسية، والشيء الوحيد الذي يمكن لترامب المراهنة عليه هو “العامل الاقتصادي”، ولكن حتى الانتعاش الاقتصادي سيكون أمراً لن يسمح الحزب الديمقراطي لترامب أن ينسبه لنفسه، وبالتالي ففي مشهد الانتخابات الأمريكية لن يخرج ترامب منتصراً هذه المرة.