“قيصر” يخنق 17 مليون سوري …!
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “أميريكان هيرالد تربيون” 19/6/2020
منذ عام 2011، دعمت الولايات المتحدة المسلحين الذين يحاولون “تغيير الحكم” في دمشق بالدعاية والسلاح والمال. وبعد أن فشلت في مسعاها، حاولت خنق سورية اقتصادياً. ولطالما كان هدفها ثابتاً لا يتغير، أي إجبار سورية على تغيير سياساتها. ووصل عدوانها هذا الشهر مستوى جديداً بعقوبات شديدة سمتها قانون “قيصر” بحجة حماية المدنيين في سورية.
للقانون وجهان مخادعان، إذ إنه يدعى “قيصر” في إشارة إلى حيلة دعائية انخرط فيها سوريّ مجهول الهوية يُزعم أنه مصور عسكري. واستناداً لما قالته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور آنذاك، كان تقرير “قيصر ممارسة دعائية دقيقة التوقيت مولتها قطر”.
والوجه المخادع الآخر للقانون هو الادعاء بـ “حماية المدنيين”. إنه في الحقيقة يؤذي ويعاقب 17 مليون شخص يعيش في سورية، وسيؤدي إلى تعذيب وموت آلاف المدنيين دونما فائدة.
العقوبات السابقة
ظلّت الولايات المتحدة معادية لسورية لعقود عديدة، إذ رفضت سورية إبان حكم الرئيس حافظ الأسد عقد معاهدة سلام مع “إسرائيل”، فحددتها الولايات المتحدة “دولة راعية للإرهاب” وفرضت عليها عقوبات لأول مرة في عام 1979.
وبعد غزو الولايات المتحدة للعراق واحتلاله في عام 2003، استقبلت سورية نحو مليون لاجئ عراقي، ودعمت المقاومة العراقية بطرق مختلفة. ورداً على ذلك، زادت الولايات المتحدة عقوباتها في عام 2004.
وفي عام 2010، ضغطت وزير الخارجية الأمريكي هيلاري كلينتون على سورية لتغيير سياستها الخارجية وأن تتودد أكثر لـ “إسرائيل”، لكن الرئيس السوري بشار الأسد رفض رفضاً قاطعاً. وبعد اثني عشر شهراً، حينما بدأت الحرب على سورية عام 2011، دعمت الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج (قطر والسعودية والإمارات) ما يسمى “المعارضة” بسرعة وفرضت مزيداً من العقوبات.
وفي عام 2016، وبعد مضي خمس سنوات على الحرب، أُعدّ تقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا عن تأثير العقوبات على الحالة الإنسانية في سورية. ذكر التقرير أن “العقوبات الأمريكية والأوروبية على سورية هي من أكثر العقوبات تعقيداً وأبعدها مدى من أي عقوبات واجهتها أي دولة أخرى”. وهذه العقوبات تجعل الحال أكثر صعوبة وخطورة حتى إنها منعت وصول المساعدات الإنسانية بشكل فعال. واختتم التقرير بثلاث عشرة توصية للسماح بمرور المساعدات الإنسانية والإنمائية.
لكن لم يكن هناك انفراج أو تغييرات في متاهة القواعد والعقوبات للسماح بالإغاثة الإنسانية. بل على العكس، فبينما كانت الحكومة السورية تطرد الإرهابيين من شرق حلب وجنوب دمشق ودير الزور، عرقلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كل مساعدات إعادة الإعمار. وعزمت الولايات المتحدة وحلفاؤها على عدم السماح لسورية بإعادة البناء والإعمار.
الإرهاب الاقتصادي الأمريكي
يوسع قانون “قيصر” تطبيق العقوبات على المواطنين والشركات ليطال أيّ فرد أو شركة. ويفرض القانون تطبيق القوانين الأمريكية على أي شخص كان. وتتضمن “العقوبات المتعلقة بالأجانب” حظر وحجز ممتلكات وأصول شخص أو شركة تبين أنها انتهكت القانون الأمريكي، ويضاف إلى ذلك غرامة مالية كبيرة.
أضف إلى هذه الهجمات الشديدة أن الولايات المتحدة تضعف العملة السورية وتزعزع استقرارها. ففي تشرين الأول من عام 2019، كان الدولار الواحد يساوي 650 ليرة، أما الآن، فبعد مرور ثمانية أشهر فقط، يبلغ سعر الدولار 2600 ليرة. يعود جزء من ذلك إلى تهديد عقوبات قانون “قيصر”.
والضغط الأمريكي على لبنان، شريك سورية التجاري الرئيسي، هو سبب آخر. عادة ما يكون لبنان الشريك الرئيسي في الصادرات والواردات. وفي ربيع عام 2019، توعد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لبنان إن لم يغير سياساته- ويعد هذا تدخلاً صارخاً في شؤون لبنان الداخلية- سيلقى العقاب اللازم. وبالفعل في خريف عام 2019 بدأت الأزمة المصرفية في لبنان وسورية.
ومع انخفاض قيمة العملة السورية، ارتفعت أسعار العديد من المواد بشكل هائل، وأمسى يستحيل الحصول على السلع تامة الصنع والمواد الزراعية والطبية والصناعية وغيرها من المواد الخام.
وتفاقم نقص الغذاء بسبب إضرام النار عمداً في حقول القمح في شمال شرق سورية، ما وضع عبئاً أكبر على الحكومة في تأمين الخبز. وفي الأسبوع الفائت، حالت مجموعات موالية لأمريكا في لبنان دون وصول شاحنات تحمل مساعدات غذائية إلى سورية. في هذه الأثناء، احتلت الولايات المتحدة والميليشيات التابعة لها حقول النفط في شرقي سورية وانتفعت من عائداتها، فيما تعاني الحكومة السورية والمدنيون من نقص حاد في النفط والغاز.
جيمس جيفري والسياسة الأمريكية
في ندوة عقدت عبر الانترنت في السابع من حزيران الجاري، بيّن الممثل الأمريكي الخاص لشؤون سورية، السفير جيمس جيفري، بصفاقة سياسة الولايات المتحدة، إذ إنها تسعى إلى منع سورية من إعادة الإعمار. وقال “وضعنا عقوبات في قانون قيصر كل ما يمكن تخيله”، ويستثنى من العقوبات:
- محافظة إدلب التي تسيطر عليها القاعدة وقوات الاحتلال التركي.
- شمال شرق سورية الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال الأمريكي وأتباعهم الانفصاليون.
وخصصت الولايات المتحدة 50 مليون دولار لتأمين “المعونات الإنسانية” للمنطقتين، وسيضخ حلفاء الولايات المتحدة مساعدات تقدر بمئات الملايين إليهما. حيث يُضخ الدولار الأمريكي والليرة التركية إليهما كتكتيك آخر لإضعاف العملة والسيادة السورية. في المقابل، يتعرض الغالبية العظمى– نحو 17 مليون نسمة- للخنق والضرر جراء هذه العقوبات الجائرة.
في بال الولايات المتحدة أهداف عديدة، أحدها منع سورية من التعافي، وآخر إطالة الصراع وإلحاق الأذى بالدول التي تساعد سورية. وبكل سخرية ولا أخلاقية، وصف المبعوث الأمريكي إلى سورية جيمس جيفري مهمته بأن: “وظيفتي هي خلق مستنقع للروس هنا”.
في بيان “نهاية المهمة” في عام 2018، كان المقرر الخاص للأمم المتحدة دبلوماسياً وواضحاً بشأن استخدام العقوبات القسرية أحادية الجانب ضد سورية، وقال: “قد يكون استخدام هذه التدابير مخالفاً للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقواعد والمبادئ التي تحكم العلاقات السلمية بين الدول”.
قانون “قيصر” والديمقراطيون
حثّ صقور اليمين في أمريكا، وخاصة أشد داعمي “إسرائيل”، على الهجمات الاقتصادية وغيرها على سورية، وضغط إليوت إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، لإقرار قانون “قيصر” لسنوات. وتم ذلك أخيراً بتضمينه في قانون إقرار الدفاع الوطني لعام 2020.
وفي علامة تبعث على التفاؤل بأن الأحوال قد تتغير، قد يعزل جمال بومان، المرشحُ التقدمي في الانتخابات القادمة، إليوت إنجل، حيث يدعم إنجل هيلاري كلينتون وغيرها من صقور السياسة الخارجية، لكن حتى تلك الساعة تظل الغالبية العظمى من السوريين ضحايا لأوهام سياسة الولايات المتحدة الخارجية ونفاقها ووحشيتها.