ترامب.. الرئيس الأكثر عنصرية ضدّ السود !
د. معن منيف سليمان
يتصدّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائمة الرؤساء الأكثر عنصرية ضدّ المواطنين الأمريكيين من أصل إفريقي على الإطلاق، فثمّة الكثير من الرؤساء الأمريكيين العنصريين في التاريخ الأمريكي، إلا أن الرئيس ترامب لديه سجل حافل بالتصريحات المثيرة للجدل والتصرفات والمواقف السياسية العنصرية بشأن القضايا التي تشمل الأمريكيين من أصل إفريقي. ما يزيد من القلق تجاه قضية التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية ويعرّض الرئيس نفسه إلى إدانات حادة وانتقادات لاذعة إلى درجة عدّه أحد السياسيين البارزين بأنه “غير أهل لمهام الرئاسة، وأنه يريد أن يجعل أمريكا بيضاء مرّة أخرى”. وأنه على الرئيس ترامب الذي يجعل نفسه “قاضياً دولياً” في مجال حقوق الإنسان، أن يغيّر سلوكه العنصري ضدّ مواطنيه من أصل إفريقي قبل أن يتحدّث عن حقوق الإنسان في العالم.
رافق خطاب العنصرية والكراهية حملة الرئيس ترامب لانتخابات الرئاسة منذ انطلاقها عام 2016، ليكشف عن شيء مثير للاهتمام بشأن ترامب، فقد كان من الواضح أن الرئيس مستعدّ لاستغلال قضايا العرق لصالحه منذ اليوم الذي أعلن فيه ترشحه. فاستراتيجيته تتمحور في نثر بذور الفرقة وتأليب الأمريكيين بعضهم على بعض، فهو ينطلق من قاعدة أنه رئيس فئة معيّنة من الشعب الأمريكي، تلك الفئة من البيض التي ستساعده حكماً على تولي ولاية جديدة. إنه بذلك يجسد المادية والأنانية والشعور بالحرية غير المتناهي وغطرسة البيض التي تلقى للأسف تأييداً صامتاً كما يرى بعض المحلّلين.
وبالفعل ليس لدى ترامب ما يخسره تجاه الناخبين السود، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة “أي بي سي” بالتعاون مع صحيفة “واشنطن بوست” عن موافقة 3 بالمئة فقط من الأمريكيين من أصول إفريقية على سياسات ترامب ومواقفه، في حين يرفضها بصورة أو بأخرى 97 بالمئة من ذوي الأصول الإفريقية.
كانت أقوال الرئيس “ترامب” وأفعاله جدلية ومحل انقسام حادّ في المجتمع الأمريكي على امتداد أكثر من أربعة عقود خلت. في تشرين الأول عام 1973، اتهم ترامب بالتحيّز العنصري في شركة عقارية تابعة لعائلته “Trump Management” من قبل وزارة العدل الأمريكية بتهمة التمييز السكني ضدّ السود ورفض تأجير شقق في واحدة من أبنيته للأمريكيين الأفارقة، منتهكاً بذلك قانون الإسكان العادل، ولم يعترف ترامب حينها بالتّهم الموجّهة إليه. وتمّت مقاضاة شركته مرّة أخرى في عام 1978، لانتهاكها شروط تسوية عام 1975، من خلال الاستمرار في رفض تأجير المستأجرين السود.
في عام 1983، أشار معهد “ميتروبوليتان أكشن” إلى أنّ نسبة المستأجرين البيض في مجمّعين سكنيين في قرية “ترامب” يحويان على أكثر من 95 بالمئة من ذوي البشرة البيضاء. وقد أخبر موظف سابق في فندق وكازينو “ترامب كاسل” في “أتلانتيك سيتي” بولاية “نيوجيرسي”، كاتب صحيفة “The New Yorker” أنه “عندما يأتي دونالد وزوجته إيفانكا إلى الكازينو، يطلب الرؤساء من جميع السود مغادرة هذا المكان”. ونقل “جون أودونيل” في كتابه “Trumped” الذي نشره عام 1991، عن “ترامب” قوله: “لديّ محاسبون سود في قلعة ترامب، وترامب بلازا، لديّ رجال سود يُحصون لي أموالي! أكره ذلك. النوع الوحيد من الناس الذين أريدهم أن يُحصوا أموالي هم الرجال قِصار القامة الذين يرتدون الطاقية اليهودية … هؤلاء فقط هم من أريد منهم إجراء الحسابات على أموالي. لا أحد آخر … بالإضافة إلى ذلك، أقول لك شيئاً آخر. أعتقد أنّ الرجال السود الذين يعملون لديّ كسالى وربما هذا ليس خطأه لأن الكسل هو سمة في السود”. وقد اعترف ترامب بأن المعلومات الواردة في الكتاب صحيحة، وذلك في مقابلة له في عام 1997.
في صيف عام 2005، كان لدى ترامب فكرة: ماذا لو أن الموسم المقبل من برنامجه “The Apprentice” وضع “فريقاً من الأمريكيين الأفارقة الناجحين مقابل فريق من البيض الناجحين؟”، فكان ترامب يرى أن ذلك يعكس إلى حدٍّ ما “عالمنا الشرير للغاية”، لكن لم يخرج هذا المفهوم أبداً خلال البرنامج، فتعامل ترامب مع المتسابقين السود في برنامجه أثار جدلاً، فقد انتقد أحد المتسابقين، وهو “كيفن ألين” خريج جامعة “إيموري” البحثية الخاصة، وجامعة “بنسلفانيا”، وجامعة “شيكاغو”، لأنه تلقى تعليماً عالياً.
في عام 2011، أصبح “ترامب” المؤيد الرئيس لنظرية المؤامرة “البرثية” “Birtherism conspiracy theory” التي فقدت مصداقيتها بسبب عنصريتها، وتدّعي أنّ رئيس الولايات المتّحدة باراك أوباما لم يُولد في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فهو غير مؤهّل ليكون رئيساً، واستمرّ ترامب بتكرار هذا الادّعاء لخمس سنوات تالية.
واتُهم “ترامب” بالعنصريّة أيضاً في سنة 2016، وذلك بسبب تكراره لاتّهام مجموعة من المراهقين السود واللاتينيين في اغتصاب سيّدة بيضاء في الحديقة المركزية لنيويورك وفيما بات يعرف بـ “قضية عدّاءة الحديقة المركزية”. بالرغم من اعترافِ مجرمٍ مسجون وله سجلّ حافل بجرائم الاغتصاب باغتصاب تلك الفتاة وإثبات فحوصات الـ”DNA” لصحّة اعترافه. وقد رفض ترامب تبرئتهم ووصف التسوية بأنها “وصمة عار” ورفض الاعتذار لهم، وخلال حملته الرئاسية لعام 2016، أصرّ مرّة أخرى على أنهم مذنبون في القضية. ووصف المخرج السينمائي “كين بيرنز”، الذي أخرج الفيلم الوثائقيThe Central Park Five “خماسي الحديقة المركزية”، الذي ساعد في مسح أسماء المتهمين، وصف تعليقات ترامب بأنها “ذروة الابتذال” و”الوقاحة والعنصرية”.
ومنذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة الأمريكية، نقل ترامب والكثير من المرشحين الرئاسيين عن الحزب الجمهوري هذه الكراهية والعنصرية إلى مستوى جديد ومرموق وشبه شرعي، لأنه يمثل غالبية المصوّتين داخل الحزب الجمهوري، ويؤكّد ذلك ما رصده موقع “بوز فييد نيوز” من حوادث عنصرية وعنيفة تمّ الإبلاغ عنها بعد فوز ترامب.
لكن ترامب ينكر أي عداء أو دوافع عنصرية، ففي عام 2016، وصف نفسه لصحيفة “واشنطن بوست” بأنه “الشخص الأقل عنصرية الذي تقابلونه على الإطلاق”، ثم شدَّد بعد عامين على أنه “ليس عنصرياً”، وذلك بعد تقارير أشارت إلى أنه وصف هايتي والسلفادور ودول إفريقية بأنها “أوكار قذرة”، خلال استقباله في مكتبه لعدد من أعضاء مجلس الشيوخ للبحث في مشروع قانون عن الهجرة. وقد تعرّض هذا التصريح إلى العديد من الإدانات على مستوى العالم بسبب عنصريّته.
ومؤخراً هاجم ترامب النائب الديمقراطي عن مدينة “بالتيمور” بولاية “ميريلاند إيلايجا كامينغز” الذي يعدّ من بين رفقاء حركة كفاح ومسيرة “مارتن لوثر كينغ”، وقال: “إن دائرة النائب المعروف تثير الاشمئزاز وتضيق بالجرذان”، ما أثار غضب الديمقراطيين الذين ندّدوا بـ”هجوم عنصري” جديد من جانب الرئيس الأمريكي. ويمثل السود أكثر من 70 بالمئة من سكان مدينة “بالتيمور” البالغ عددهم 620 ألف نسمة، ويصوّت أغلبهم للديمقراطيين.
وردّت رئيسة مجلس النواب “نانسي بيلوسي” المولودة في “بالتيمور” مندّدة بـ”الهجمات العنصرية” تجاه كامينغز “المدافع الكبير في الكونغرس وفي البلاد عن الحقوق المدنية والعدالة الاقتصادية”. كما كتب نائب الرئيس السابق والمرشح لتمثيل الديمقراطيين في السباق إلى البيت الأبيض “جو بايدن” على تويتر متوجهاً مباشرة إلى ترامب: “من المشين أن تهاجمه وتهاجم سكان “بالتيمور” بهذه الطريقة”. مضيفاً: “أثبتّ مرّة جديدة أنك غير أهل لمهام الرئاسة”.