النشاطات الفنية.. تعلّم الطفل مهارات حل المشاكل.. و تطور قدراته الإبداعية
كثيرون يدفعون أبناءهم نحو التحصيل العلمي، وزيادة مداركهم عبر تكثيف دورات التعلّم لدى أطفالهم كاللغة والرياضيات وغيرهما، ما يقلل فرصة دعم مواهبهم باعتبارها عنصراً ثانوياً في نموه، كما يغيب عن ذهن العديد من الآباء والأمهات الأبعاد النفسية والعلمية لقدرات الطفل خلال ممارسته لنشاط يحبه، فالمعارف التي يمكن أن يصل إليها الطفل أكثر بكثير مما يمكن إدراكه عبر التعليم المجرد، لاسيما استخدام الألوان، ورسم الأشكال المختلفة التي يعبّر بها عن ذاته، لأنها تشكّل نموذجاً عما يتخيله ويدور في أفكاره، مكتسبات عديدة تحققها تجارب الطفل أثناء ممارسته لمواهب يميل إليها، وتستمر معه في مراحل حياته القادمة، لذلك يؤكد معظم المختصين على منح الطفل مساحات من الحرية في تلبية فضوله ورغبته في اكتشاف قدراته المختلفة .
مهارات مكتسبة
لجميع الفنون أهميتها في بناء شخصية الأبناء، وعلى الآباء إدراك ذلك وملاحظته والاهتمام به، بحسب مدرّسة الفنون الجميلة لمى موصلي التي ترى أن الفن بمختلف صوره وأشكاله أمر مهم في حياة الطفل، بغض النظر عن وجهة نظر الأهالي، فهناك العديد من الحقائق التي تؤكد أهمية الفن في عملية نموه وتطوره، فعندما يحاول الرسم على ورقة أو يمسك بالألوان ليخرج بالشكل النهائي لرسوم معينة يتخيلها، فإن ذلك يمكنه من اكتساب مجموعة من المهارات المتنوعة التي ستسهل عليه عملية التعبير عن نفسه أيضاً، فالفن والابتكار يمكنان الطفل التواصل مع العالم من حوله، كما يعمل أيضاً على تنمية الجهة اليمنى من المخ، ويمده بمجموعة من المهارات التي سيستخدمها الطفل طوال حياته، فهو بالنسبة إليه مهم مثله مثل اللغة والتنفس وباقي العناصر التي تجعل من الطفل إنساناً متكامل الشخصية.
مهارات مختلفة
الفن بمختلف أشكاله مليء بالعناصر الممتعة، لذلك علينا إدراك أن الطفل سيتعلّم الكثير من الأنشطة الفنية المختلفة من خلاله، من هنا يجب تشجيع الطفل على الاشتراك في النشاطات الفنية المختلفة التي سيتعلّم من خلالها مجموعة من المهارات المختلفة، وتتابع موصلي بأن الحركات التي يستخدمها الطفل وهو يرسم تعد عناصر شديدة الأهمية لتنمية المهارات الحركية عند الطفل الصغير، وببلوغ الطفل ثلاثة أعوام يجب أن يكون قد تعلّم كيف يرسم دائرة، أو كيف يستخدم المقص المخصص للأطفال، وببلوغه أربعة أعوام يكون قد تعلّم كيف يرسم مربعاً، ويعتبر الحديث عن الرسم والفن فرصة يمكن للطفل من خلالها أن يتعلّم أسماء الألوان والأشكال الهندسية المختلفة، كما يمكنه عندما يصل للمرحلة الابتدائية أن يبدأ في وصف ما يشعر به عندما يرى الأشكال الفنية المختلفة، فالطفل عندما يرسم صورة أو يقوم بتلوينها أو يبدأ في تكوين شكل فني معين مستخدماً مواد مختلفة فإنه يفعل ذلك للتعبير عن تجربة فعلية مرّ بها، أو مشاعر فرحة تنتابه، أو مشاعر حزن بسبب فقدانه لشخص عزيز عليه.. إن الطفل من خلال الأشكال الفنية المختلفة والرسم يتمكن من التعبير عن مشاعر قد لا يستطيع ترجمتها بالكلام .
حاسة ابتكارية
النشاطات الفنية المختلفة من شأنها أن تعلّم الطفل مهارات حل المشاكل، وكيفية التفكير النقدي، مع الوضع في الاعتبار أنه مع مرور الوقت سيحتاج الطفل لاتخاذ القرارات في مختلف أمور حياته، ويؤكد الاختصاصي النفسي محمود دخل الله بأنه يجب على الأم معرفة أن الطفل إذا أخذ فرصة التجربة والتفكير في أشكال فنية مبتكرة فإن قدراته الإبداعية ستنمو، وكلما تم تشجيع الطفل على التعبير عن نفسه ستنمو عنده حاسة ابتكارية فنية ستفيده كثيراً في حياته كشخص بالغ، لأن المجتمع يحتاج لأشخاص يؤمنون بالتجارب الجديدة، ويفكرون في كيفية جعل المجتمع أفضل، ويساعد الفن أطفالنا على تعلّم التحكم بأنفسهم، وفي أمور حياتهم المختلفة، كما سينمي عنده فكرة المشاركة والانتظار حتى يأتي دوره، وتقدير جهود الآخرين، وبالإضافة إلى ذلك فإن الفن والرسم أمران سيجعلان الطفل هادئاً ومستقراً من الناحية النفسية، حيث سيتمكن من إظهار شخصيته وتفرده ونجاحاته المختلفة.
كشف الثغرات
تتيح الأشكال المختلفة للنشاطات الفنية الفرصة للطفل ليعبّر عن مشاعره وأحاسيسه بطريقة مبتكرة، وأنه سيتعلّم من خلال الفن الابتكار والتحليل، ولهذا يجب على الأهالي أن يفرقوا جيداً بين الموهبة وقدرة الطفل على الابتكار، ويرى دخل الله أن الفن ليس منتجاً في حد ذاته، لذا لا يجب على الطفل أن يكون مثالياً فيما يرسمه وإنما عليه التعبير عما يدور في خياله وتصوره لما يشاهد ويشعر أي تفريغ ما في داخله من أفكار، لذلك يجب عدم تحييده عما يرغب بفعله أو رسمه، وتطويقه بأفكار تقليدية خوفاً من تحجيم خياله وكبح تفاعله مع ما يقدمه من رسم وفنون أخرى، فالحرية بالتعبير هي محور تشجيعه ورفع مدركاته وقدراته المختلفة.. إن مراقبة الأهل لأبنائهم أثناء ممارستهم لمختلف الفنون ستسمح لهم الدخول إلى عالمهم واكتشاف تفاصيل مهمة عن شخصياتهم، وما يمكن أن يحققوه في المستقبل، بالإضافة لمعرفة الثغرات الموجودة لديهم، والبحث عن ردمها كي لا تشكّل عائقاً لهم في مراحل نموهم.
ميادة حسن