“النهضة” تحشد لإحكام قبضتها على السلطة
تحوّلت الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب التونسي من جلسة تقييميه حول فترة المائة يوم الأولى من العمل الحكومي وبرنامج مرحلة ما بعد الجائحة الوبائية على كافة المستويات، إلى جلسة، وبقيادة حركة النهضة الإخوانية، محاسبة والدعوة إلى استقالة رئيس الحكومة الياس الفخفاخ أو سحب الثقة منه.
ويبدو رئيس الحكومة كمن يسير في حقول ألغام سياسية، في الوقت الذي يواجه فيه سيلاً من الانتقادات، حتى من قبل الشركاء في الائتلاف الحكومي بمن فيهم حركة النهضة، التي تناور لإحكام قبضتها على السلطة، وتسعى جاهدة لفرض أجندتها، متسللة عبر أكثر من منفذ سياسي وقانوني وعبر دبلوماسية موازية قادها رئيسها راشد الغنوشي، رئيس البرلمان، محدثاً المزيد من الانقسامات ومثيراً الكثير من الجدل.
ويحيل المشهد السياسي الراهن في تونس بتجلياته وتطوّراته وتعقيداته، والمعارك الجانبية، التي تثيرها النهضة وحلفاؤها في البرلمان، إلى معركة سياسية بدأت تتضح ملامحها على ضوء التوترات القائمة. وفي خضم هذا المسار، ينفتح المشهد السياسي التونسي على أكثر من سيناريو تدفع كلها نحو أسئلة ملحة: هل يصمد الفخفاخ وإلى متى وأي أوراق ستلعبها النهضة لإحكام قبضتها على السلطة.
وكان الفخفاخ قد تولى حقيبتي المالية والسياحة في عهد حكومتي الترويكا السابقتين بقيادة النهضة، وهو أدرى بتكتيكاتها وبمساوماتها ومناوراتها، وكان جزء من تلك المنظومة، التي أغرقت تونس في مشاكل اقتصادية واجتماعية وأمنية لاتزال ارتداداتها تثقل على الاقتصاد التونسي وعلى المشهد السياسي العام.
وانتقد الفخفاخ، أمس الخميس، ما قال إنها مساع سياسية لتشويه صورته، في وقت تحشد فيه حركة النهضة حلفاءها داخل البرلمان استعداداً للإطاحة بالحكومة المناوئة لأجنداتها ما لم تعدّل بوصلتها.
وقال في جلسة برلمانية بمناسبة انقضاء 100 يوم على تسلمه السلطة: “من يريد ضرب مصداقيتي ونزاهتي أقول له لن تفلح جهودك”، وأضاف: “أوجه التحية لكل من يبحث ويحقّق عن حسن نية في تكريس الديمقراطية ومحاربة الفساد من دون سوء نية وحسابات سياسيوية”.
وتأتي تصريحات الفخفاخ على خلفية نشر عدد من النواب لوثائق قالوا إنها تثبت تورطه في “فضيحة” تضارب مصالح وفساد، في وقت ترفع فيه حكومته شعار مكافحة الفساد.
وشككت أطراف سياسية في صحة ما يروج بشأن وجود شبهات فساد حقيقة تطال الفخفاخ، معتبرة أن توقيت نشر هذه الوثائق لا يمكن فصله عن أجندات حزبية تسعى لتهيئة مناخ عام مناوئ للحكومة التونسية استعداداً لإسقاطها.
وكانت حركة النهضة، شريك الحكم، قد هددت في وقت سابق بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، ما يعني سقوط الحكومة بالضرورة، ما لم يستجب الفخفاخ لمطالب توسيعه باشراك حزب قلب تونس وإتلاف الكرامة الإسلاموي أيضاً وهو ما يرفضه الأخير.
وتأتي تهديدات الحركة عقب تنامي الخلافات مع شركائها في الحكم (حركة الشعب) التي صوتت لصالح لائحة برلمانية تندد بالتدخل الأجنبي في ليبيا، وذلك على إثر انتقادات واسعة طالت رئيس النهضة والبرلمان راشد الغنوشي بعد اتصاله برئيس الحكومة الوفاق الليبية فايز السراح وتهنئته باستعادة قاعدة الوطية، ما يعتبر انحيازاً لأحد طرفي النزاع وارباكا للموقف التونسي الرسمي القائم على الحياد.
ويتكون الائتلاف الحكومي في تونس من حركة الشعب (قومي) وحزب التيار الديمقراطي (يساري) وحركة تحيا تونس (ليبرالية) اضافة الى النهضة.
وتستثمر النهضة خلافات حزب قلب تونس (ثاني الكتل البرلمانية) مع الفخفاخ، الذي رفض اشراكه في الكابينة الحكومية منذ بداية مشاورات تشكيلها، في مساعيها المعلنة لإسقاط حكومته المناوئة لأجنداتها.
والخميس، هدد رئيس الكتلة البرلمانية لقلب تونس عياض اللومي (27 نائبا) بسحب الثقة من حكومة الفخفاخ، منتقداً أدائها ومتهماً رئيسها بالفساد وتضارب المصالح.
وينص القانون الداخلي للبرلمان التونسي على أن سحب الثقة من الحكومات يستوجب أغلبية الثلثين أي 109 نائباً من مجموع 217 مقعداً.
وتستحوذ الكتل البرلمانية لقلب تونس والنهضة وإتلاف الكرامة على100 نائب، ما يمكنهم نظرياً الاطاحة بالحكومة عبر استقطاب النواب المستقلين وهم 9 نواب.
بدوره ، أكد رئيس كتلة الاصلاح الوطني حسونة الناصفي (16 نائباً) أن المواقف متجهة نحو سحب الثقة من رئيس الحكومة وأعضاء حكومته، مشيرا الى أن هذا ما يتبناه عديد النواب.
وبالتزامن مع التحشيد البرلماني، صعدت حركة النهضة مواقفها من الفخفاخ بعد أن رفضت الإمضاء على وثيقة تقدّم بها (وثيقة التضامن والاستقرار الحكومي) لامتصاص التجاذبات السياسية داخل الائتلاف الحكومي.
ورفضت النهضة التوقيع على الوثيقة مشترطة تزامن المساريين الحكومي والبرلماني، بعد أن صوتت أطراف مشاركة في الحكم مع لائحة التنديد باصطفاف الغنوشي خلف الأجندات التركية القطرية في ليبيا.
وتشير مصادر مقرّبة من حركة النهضة أن الأخيرة تريد اسقاط حكومة الفخفاخ داخل البرلمان كي لا تتحمل بعد ذلك بمفردها تبعات ذلك على المستويين السياسي والاقتصادي.
وبتحشيدها داخل البرلمان وارباكها للعمل الحكومي عبر التصعيد تجاه شركائها، تضع النهضة الفخفاخ أمام تحديات صعبة لإدارة التوازنات صلب حكومته، فاستجابته لمطالب النهضة بتوسيع الائتلاف الحكومي واشراك حزب قلب تونس يتعارض مع تعهداته السابقة وبالتالي ينزع المصداقية عنه، وتجاهله لهذه المطالب والمضي قدما في الرفض سيؤدي إلى سقوطه.
ودأبت النهضة منذ صعودها إلى الحكم على مثل هذه المناورات وممارسة الاكراهات كلما زادت عزلها، مستفيدة من نظام برلماني تحمّله أحزاب سياسية، كما رئيس الجمهورية قيس سعيّد، مسؤولية عدم الاستقرار الحكومي في البلاد.
وبعد فشل مرشح النهضة لرئاسة الحكومة (حبيب الجملي) في نيل ثقة البرلمان، كلّف سعيّد، وفق ما ينص عليه الدستور التونسي، الياس الفخفاخ بتشكيل حكومة نالت ثقة النهضة عن مضض.
وعلى إثر تشكيلها اعتبرت أطراف مشاركة فيها أن هاته الحكومة هي (حكومة الرئيس) لا حكومة النهضة وهو ما أثر حفيظة الحركة التي وجدت نفسها طرفاً لا نواة في الكابينة الحكومية.
وتشعر الحركة أن فوزها بالانتخابات التشريعية سرق منها، ما دفعها إلى ارباك عمل السلطة التنفيذية برأسيها (رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية) وفتح جبهات مواجهة مع سعيّد والفخفاخ.
ويأتي ارباك النهضة للعمل الحكومي في وقت وصف فيه وزير المالية نزار يعيش الأوضاع المالية بالكارثية، ما ينذر يتدهور اقتصادي ستكون تداعياتها وخيمة على الاستقرار الاجتماعي، فيما قال اقتصاديون أن تونس في حالة افلاس غير معلن.