أُعذر من أنذر..!
قسيم دحدل
بلهجة غير مسبوقة على لسان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، كان الإعلان الآتي: “قريباً ليس هناك حاجة إلى آلاف الضبوط، بل يكفي المئات منها، لردع المخالف عندما يتمّ تطبيق العقوبة بشكل حقيقي، بدءاً من الإغلاق لمدة شهر وصولاً إلى الأشغال الشاقة، وهذا ما يتمّ العمل عليه في تعديل القانون”.
الكلام والتأكيد والوعد والوعيد أعلاه، الذي أطلقه وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ينتظر الوزير نفسه تَحَقُقهُ وتطبيقهُ، ليكون لوزارته نصيب من اسمها، وننتظر كمواطنين أيضاً، وعلى أحرّ من جمر الأسعار، اجتثاث جشع التجار، كهدف بحدّ ذاته.
هو جشع بلغ مبلغاً لم يعد ينفع معه إلاَّ خيار: “آخر العلاج الكي”، ورغم أن هذا الخيار جاء متأخراً، لكن أن يصل أصحاب القرار إليه، فهذا خير من ألا يصلوا إليه أبداً!
ومن المؤكد أن وصولهم لذلك، لم يكن بالأمر الهيّن، ويمكن أن يكون فيه من المرارة بقدر ما فيه من “الحلاوة” للمواطن، ولشيء من ردّ الاعتبار لقطاعنا العام الصناعي والتجاري، وحقه في أن يكون، بعد أن تثبت أنه الظفر الذي يحك جلدنا، رغم هدر البعض ممن فيه، وعلى مدار عقود، “ذهب” إمكاناته ومكوناته، لمصلحة القطاع الخاص، كرمى “ثلاثين من الفضة”؟!
عناد التّجار، وعدم تجاوبهم مع المناشدات التاريخية للحكومات المتعاقبة، يبدو أنه مستمر، وعن سابق إصرار وتصميم، ولعلّ تكرار رئيس اتحاد غرف التجارة لمقولته المشهورة التي أطلقها منذ سنوات عدة، على مسامع وزير الاقتصاد، الجزائري: “أسمعونا كلاماً طيباً، أسمعناهم كلاماً طيباً”، وكان يقصد بها الحكومة الممثلة حالياً بالوزير البرازي خلال اللقاءات الأخيرة بين الصديقين اللدودين!
فليس أكبر من دليل على أن القطاع التجاري الخاص يساير الحكومة لا أكثر، ولسان حاله يقول: “أعلى ما بخيلكم اركبوه..”!!
هذه النغمة المستهجنة المستفزّة المرفوضة للتّجار ليست جديدة، بل تعود إلى ما قبل الحرب على سورية بأعوام عدة، يوم رفضوا – زمن حكومة العطري – خلال لقاء الدكتورة لمياء العاصي، وزيرة الاقتصاد، بهم، بعد أن تمنّت الوزيرة عليهم تخفيض ليرة واحدة فقط لا غير لسعر الكيلو غرام الواحد لكلّ من مادتي السكر والرز!!
هذا هو تاريخ “المتاجرين بقوت وقوة الشعب” مع وطنهم.. لا اختلاف و لا تغيّر فيه، سواء كان في زمن الرخاء وتَكْدِيس الثروات، أم في زمن الأزمة التي شكّلت لهم سوقاً احتكاريةً وفرصاً دسمة لتكديس المزيد من الثروات، ومع ذلك “كسروا أيدهم وشحدوا عليها”، رغم كل التسهيلات والإعفاءات غير المستحقة، التي مُنحت لهم مقارنة بالصناعيين، ليكونوا على قَدْرِ المسؤولية الاقتصادية الوطنية.
الغريب المستهجن تعامي القطاع الخاص التجاري عن حقيقة اقتصادية بديهية، وهي أن استدامة أعمالهم وأرباحهم لن تُستدام إلاَّ بالمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن، إذ لولا الأخير لما كان هناك تجَّار وتجارة، وعليه فإن حكمة الربح القليل من البيع الكثير يجب أن تسود، وهذا يحتاج لنفض الذهنية العفنة التي لا تزال تقارب العمل الجاري غير المُكلف مقارنة بغيره، من بوابة “التجارة شطارة”، فعلى من يتشاطرون ويستكبرون؟!
وليس أخيراً.. نلوح بما لوح به الوزير البرازي، وهو لا ينطق عن هوى، فقوله منبهاً محذراً التّجار من أن “حياة الأغنياء ستكون في خطر في حال حصل خلل في تأمين رغيف الخبز”، يجب أن يؤخذ على محمل الجد والوعي، وكما يُقال: أعذر من أنذر!!