الإرهاب الاقتصادي الأمريكي: قانون “قيصر” أنموذجاً
إبراهيم أحمد
يُمثّل ما يُعرف بـ ” قانون قيصر” عنواناً للإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية ضد الدول التي لا تسير في الفلك الأمريكي وتأتمر بأمر واشنطن، ومنها محور دول الممانعة وفي مقدمها الجمهورية العربية السورية. كما أنه يمثّل وجهاً آخر للحرب المستمرة ضد دولة ذات سيادة منذ نحو تسع سنوات بأدوات اقتصادية لتحقيق أهداف سياسية. وكما هو معروف فإن الاقتصاد السوري يعاني منذ نصف قرن تقريباً من عشرات العقوبات المفروضة عليه، ومن دول مختلفة، فسورية معاقبة من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، إضافة إلى دول أخرى، حتى إن الدول التي لم تفرض عليها عقوبات لم تتمكّن من التعامل معها كما يجب.
والقانون بمضامينه المختلفة، واستهدافه للقطاعات الأساسية للاقتصاد: النفط والغاز الطبيعي والطيران والبناء….. وغيرها، ناهيك عن استهداف أي جهة داعمة للحكومة السورية بشكل مباشر أو غير مباشر، سيكون الأكثر تأثيراً، والأشد قسوة على بلد مزّقته سنوات الحرب، وأنهكت اقتصاده ودمرت بناه التحتية، وهو أسلوب إرهابي اعتادت واشنطن ممارسته ضد الشعوب والدول التي لا تمتثل لإملاءاتها وشروطها المذلة بحق الشعوب المناهضة لهيمنتها وهو منافٍ لكل مزاعم بالحرص على رخاء السوريين، كما أنه يُمثّل وجهة نظر الكيان الصهيوني الرامية إلى الهيمنة على المنطقة، وإرغام الدولة السورية على الذهاب إلى تسوية وفق الشروط الأمريكية المذلة. ومن ناحية ثانية، العقوبات الأمريكية ليست جديدة، وإن كانت هذه المرة أكثر اتساعاً وشمولية، وقد اعتادت عليها سورية، وتعايشت معها منذ زمن بعيد، ومن الواضح أن الحكومة السورية، بما لديها من خبرة في العقوبات، قادرة على الالتفاف عليها وتجاوزها، لكن وقعها سيكون أكثر قسوة وإيلاماً على الشعب السوري المنهك، الذي سيتعرض لمزيد من الإفقار والتجويع، وستزيد معاناته بالتأكيد، بعد أن وصل الاستهداف إلى لقمة العيش، وهو ما يراهن عليه واضعو العقوبات، أي الضغط على الناس وتعبئتهم ضد دولتهم. لكن هذا الرهان قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ يكفي للشعب السوري أن يدرك، وهو يدرك بالفعل، أن هذا القانون صناعة أمريكية بحتة، ولا علاقة له بالقانون الدولي وحقوق الإنسان وشرعية الأمم المتحدة، وهو السبب في مأساته ومفاقمة معاناته.
يهدف هذا القانون في ظاهره إلى الضّغط على سورية، وفق الرؤية الأميركية، لحماية الشعب السوري، وتشجيع التسوية السياسية وإقرارها، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، رغم أن العقوبات التي فرضتها هذه الدول على سورية هي في حد ذاتها جرائم ضدّ الإنسانية، إذ إنها تهدف إلى الحد من حرية انتقال المواطنين السوريين وتجويعهم وإفقارهم، وتخريب البنى التحتية في بلادهم، والضّغط عليهم، وبالتالي فإن الوطنية السورية تحتم على هذا الشعب الوقوف إلى جانب حكومته في مواجهة هذا القانون الجائر مهما كانت النتائج.
ويلاحظ على هذا القانون أنه في الوقت الذي يفرض عقوبات على الأفراد والمؤسّسات الأجنبية التي تقيم علاقات أو صفقات تجارية مؤثرة مع سورية، إلا أنه يمنح رئيس الولايات المتحدة الأميركية الحق بأن يعطّله إذا أراد، كما أنه أرفق توقيع العقوبات على الأفراد والمؤسَّسات المتعاملة مع الدولة السورية في علاقاتها التجارية بعبارة مهمة جداً، وهي “علاقات تجارية مؤثرة”، أي أنه يمنح الرئيس الأميركي الحقّ باعتبار العملية التجارية مؤثرة، فيوقع العقوبات، أو غير مؤثرة، كما يخوله تعطيل بعض هذه العقوبات أو إيقافها كلّها، إذا رأى في ذلك مصلحة أميركية.
إنَّ قانون “قيصر” لم يكن السَّبب الوحيد في الأزمة الاقتصاديَّة التي تعاني منها البلاد، وإنما أحد مؤثراتها، فهناك عوامل أخرى أثَّرت في اقتصاد البلاد، ومنها الحرب القائمة منذ 9 سنوات، وما نتج عنها من تدمير للبنية التحتية، وسرقة ثرواتها ومصانعها من قبل العصابات الإرهابية وعلى رأسهم اللص العثماني أردوغان الذي سرق المعامل والمصانع والقمح، والتاجر الأمريكي ترامب الذي يسرق النفط والغاز السوري ويحرق قمح السوريين ولقمة عيشهم فهل هناك من إرهابيين مارقين أكثر من ذلك؟.
هذا القانون وما سبقه من عقوبات اقتصاديَّة مطبّقة على سورية، يعتبر في كل المقاييس جريمة بحق الإنسانية، فمن المعروف أن العقوبات الاقتصادية تستهدف المواطنين الذين يتأثرون بها بشكل مباشر، ومن ذلك منع المواطنين السوريين من الحصول على تأشيرة دخول إلى معظم دول العالم، وتهديد الدول التي يمكن أن تتعاون مع سورية اقتصادياً، وهو يؤدي في النهاية إلى إفقار المواطن وتجويعه، ومنعه من الوصول إلى الخدمات والمتطلبات الأساسية للحياة، مثل حصوله على الطعام المناسب والدواء والطبابة والتعليم والماء والكهرباء…
لكنّ الحلفاء والأصدقاء المخلصين لن يتركوا سورية وحيدة فريسة لذئاب هذا العصر، فقد قال سفير روسيا وممثل الرئيس بوتين في سورية أنّه من المستحيل تحطيم بلديهما بالإرهاب الاقتصادي، وأن هذه المحاولات ستفشل مثلما فشلت محاولات فرض الإرادة الأجنبيّة بقوة السلاح على سورية، وأن روسيا لن تترك سورية في هذه الأيام العصيبة. أما المتحدث باسم الخارجية الإيرانية فيقول: إن بلاده تعدّ العقوبات الأميركية الجديدة على سورية ظالمة وأحادية وإرهاباً اقتصادياً ضد الشعب السوري وتهدف لزعزعة استقرار سورية. كما عبّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي، عن إدانة بلاده لوضع وتنفيذ قانون قيصر ضد سورية، معتبراً القانون الأميركي “مخالف للقوانين الدولية والأصول الإنسانية”.
وهنا لا بدّ من التذكير بأن العقوبات المفروضة على كوريا الديمقراطية منذ أكثر من 7 عقود، لم تمنعها من حيازة السلاح النووي، كما لم تنجح العقوبات بالإطاحة بحكومة مادورو في فنزويلا، ولا بحكومة طهران وكوبا، ولا في تغيير سلوكهم. في النهاية، يمكن أن نخلص إلى حقيقة أن هذا القانون لا يمسّ سورية بقدر ما يمسّ شركاءها، وبالتالي منعهم من الاستفادة من مكاسب إعادة الإعمار والحد من المساعدة في عملية التسوية في البلاد.
حقائق التاريخ تؤكد أن سورية لم تركع في يوم من الأيام للإملاءات الخارجية، ولن تركع اليوم، وهذا الشعب يدرك بأن قانون” قيصر” هو عباءة سوداء تستظل بها واشنطن وحلفاؤها، وهو الانتقام من الدولة السورية لرفضها الإملاءات الأمريكية، وإجبارها على تقديم التنازلات. إن من يراهن على استسلام الدولة السورية هو كمن يراهن على شروق الشمس من الغرب.