رأس المقاومة.. غاية كل المشاريع
لا تختلف الأحداث الدامية التي مرّت بها المنطقة العربية في العقد الأخير، في الغاية النهائية المتوخاة منها، مهما تعدّدت المسميات. فالمراقب للمشهد العام في المنطقة، منذ بداية ما يسمّى “الربيع العربي” يلحظ أن جميع هذه الأحداث يحكمها ناظم واحد هو تدمير الوعي في المجتمعات العربية وشغل شعوبها بصراعات داخلية على حساب الهدف الأسمى لها وهو الوصول إلى حالة الوعي التي تمكّنها من رسم طريقها نحو المستقبل وصولاً إلى تحقيق النهضة الحقيقية في المجتمعات.
ومنذ بداية أحداث “الربيع المزعوم” في تونس عام 2010، أريد للمجتمع العربي أن يقتنع بأن ما يحدث في ذلك البلد هو نتيجة طبيعية للسياسات التي انتهجها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وأن هذا الأمر سيكون عبارة عن تساقط دراماتيكي لأحجار الدومينو التي هي الأنظمة العربية، على اعتبار أن الشعوب العربية بلغت حالة من الوعي تمكّنها من الثورة على الأنظمة الحاكمة في بلادها.
وتم تسويق هذه “الثورات” في الإعلام المسخّر لتغطيتها على أنها ردّ فعل طبيعي على معاناة الشعوب العربية مع الطبقة الحاكمة في البلاد، إلى أن تم ترسيخ مجموعة من الأمور من بينها أنه لا بأس في استخدام العنف في سبيل الوصول إلى الغاية المرسومة وهي تغيير النظام الحاكم، وخلخلة الأوضاع الأمنية في هذه البلاد، وهذا طبعاً سابقة خطيرة بالنسبة إلى الثورات الشهيرة في العالم التي حافظت على جميع مؤسسات الدولة القائمة وركزت فقط على تغيير الأنظمة.
ومع سقوط الرئيس التونسي الذي كان إلى حد ّ ما يحتفظ بعلاقات جيدة مع الغرب، كانت الرسالة المتوخاة هنا أن جميع الأنظمة في المنطقة ليست بمنأى من التغيير، وخاصة بعد أن تم إلحاق الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بركب التغيير، وهو الذي كان على علاقات وثيقة بالدول الغربية.
وقد استغرب كثير من المحللين في وقتها كيفية تخلي الغرب عن مثل هؤلاء الرؤساء الذين كانوا مقبولين لدى واشنطن وغيرها من العواصم الغربية.
وبغض النظر عن الأدوات التي تم استخدامها في إسقاط هذه الأنظمة وهي أدوات كثيرة يأتي على رأسها تنظيم الإخوان المسلمين السلفي والحركة الوهابية اللذان يؤمنان أصلاً بالعنف في سبيل الوصول إلى غاياتهما، وتربطهما علاقات واسعة مع أجهزة الاستخبارات الغربية، فإن العمل في مجمله كان منصبّاً على تطويع الشعوب العربية لقبول ما يفرض عليها من الخارج، سواء من خلال تغيير الأنظمة المناوئة للكيان الصهيوني التي ترفع شعار المقاومة، أم من خلال تدمير مقومات الحياة في هذه المجتمعات وربطها بالدول الاستعمارية مباشرة، بحيث لا يكون هناك مجال للوعي في منع هذه التبعية عبر ترسيخ الجهل والتخلف في أذهان هذه الشعوب.
ومن خلال كل ما جرى على الأرض في المجتمعات العربية عبر إحلال نماذج من المنظمات الإرهابية لتسيطر على الدول العربية بالوكالة عن المشغل الأمريكي الصهيوني، بحيث تكون هذه المنظمات صورة طبق الأصل عن المنظمات التي أسست الكيان الصهيوني، كان يراد القول: إن النظامين السائدين في كل من فلسطين المحتلة ودول الجوار متشابهان من حيث أصل التكوين، فكلاهما نموذج استيطاني إحلالي، وهذا بالمحصلة يقود إلى ضرورة قبول الكيان الصهيوني كياناً طبيعياً في المنطقة يحمل الهوية اليهودية المطلقة، بعد تطهير فلسطين من الديانات الأخرى التي يتعين عليها الانضمام بشكل أو بآخر إلى الكيانات المجاورة التي تتشكل على أساس إثني أو عرقي.
وبالمحصلة، يتم التركيز على إلغاء كل أشكال الوعي في المنطقة العربية التي تشكل في محصلتها الجبهة المقاومة للمشاريع الصهيونية في المنطقة، بمعنى أن كل ما جرى ويجري في المنطقة يراد منه فقط رأس المقاومة، وفي سبيل ذلك يتم الضغط على جميع الأطراف الداعمة لهذا النموذج في العالم بدءاً من الصين وليس انتهاء بفنزويلا في أمريكا اللاتينية.
طلال الزعبي