اختلاف الرؤية السينمائية السورية و المصرية في رواية “حادث النصف متر”
عرّت رواية حادث النصف متر نظرة الرجل الشرقي إلى الأنثى والتناقض الفكري الذي يعيشه ضمن ضوابط اجتماعية ونفسية تجعله يرفض فكرة الارتباط بفتاة كانت على علاقة سابقة مع غيره، أو التي منحت لنفسها حرية اختيار الرجل لتعيش معه قصة حبّ لا تدري نهايتها، وكشفت التباين في ردة فعل المجتمع التي تبيح للرجل ممارسة كل السلوكيات المرفوضة للأنثى.
تحولت الرواية إلى فيلمين فيلم مصري بتوقيع المخرج أشرف فهمي وسيناريو كاتب الرواية ذاته صبري موسى، وفيلم سوري سيناريو وإخراج سمير ذكرى إنتاج المؤسسة العامة للسينما في فترة زمنية متقاربة في بداية الثمانينيات. ومؤخراً عرضت الجمعية الكونية السورية الفيلم المصري في إحدى فعالياتها في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- ما دفعني لمتابعة الفيلمين اللذين يحملان الاسم ذاته، إلا أن الاختلاف كبير جداً بينهما.
المحور الأساسي بالرواية هو الجانب العاطفي مع تلميحات طفيفة للأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فاقتصر الفيلم على قصة الحب بين وفاء –نيللي- وأحمد –محمود ياسين-، إضافة إلى ذلك بدا أحمد بوضعية أفضل من صبحي الحلوجي –عبد الفتاح مزين – بالفيلم السوري رغم أنه ينتمي إلى بيئة متوسطة في حيّ شعبي مع عمته، وهو غير مسؤول عن إعالة أحد ويعيش حياته بحرية عكس الأوضاع التي يعيشها صبحي. وقد ركز المخرج أشرف فهمي على إظهار مشاهد الحب بجرأة وتتالي اللقاءات، وأفرد مساحات مشهدية لتصوير المدينة المكتظة وحافلات الركاب موظّفاً الموسيقا التصويرية الرومانسية عوضاً عن الحوار في مشاهد طويلة.
رواية داخل رواية
في حين يجد المشاهد اختلافاً كبيراً في الفيلم السوري من حيث رسم أبعاد شخصية صبحي الحلوجي –الفنان عبد الفتاح مزين- من كل الجوانب، إذ برع المخرج سمير ذكرى بتوصيف الحالة الاجتماعية والنفسية التي يعيشها بتوافق مع المشهدية المكانية في إحدى حارات دمشق القديمة، وفي الزقاق الضيق الذي يوصل إلى منزل صبحي بنوافذه الخشبية القديمة وأثاثه القديم، المنزل الذي يضم عائلة صبحي المسؤول عنها والدته – نجاح حفيظ – وإخوته الثلاثة الذين يتابعون دراستهم، ما جعله يؤخر زواجه لأعبائه العائلية فتتخلى عنه حبيبته لتتزوج من رجل يعمل بالخليج.
حكاية صبحي الموظف الحكومي الحاصل على إجازة جامعية ويعيش ضمن حدود الراتب المحدود، كانت المفتاح الذي استخدمه المخرج لتوصيف واقع شريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة لاسيما الشباب في الثمانينيات، فتمكن من صياغة رواية جديدة داخل الرواية الكبرى لصبري موسى، فيتوازى الخط الاجتماعي مع البعد السياسي في ظل حرب 1967 والنكسة ويظهر تلاحم الشعب بكل طوائفه وشرائحه مع تصاعد أحداث الحرب، ليلعب المذياع والتلفزيون والبيان العسكري دور البطل في ربط خطوط الحبكة وتحويل المناقشات إلى عدوانية إسرائيل ودفاع قواتنا خاصة قواتنا الجوية وإسقاطها الطائرات الإسرائيلية. وعمل على إظهار دور المرأة بقوة انتمائها ومواكبتها الحدث بعيداً عن درجة ثقافتها، بدا ذلك بتفاعل أم صبحي الإيجابي مع سقوط الطائرات الإسرائيلية، واكتملت الصورة مع إقدام الموظفة الوحيدة فاطمة بالدائرة التي يعمل فيها صبحي في المالية على الانتحار بمحاولة رمي نفسها من النافذة لحظة إعلان خبر تقديم الرئيس جمال عبد الناصر استقالته.
الإحباط والمقاومة
ركز المخرج ذكرى على حالة الإحباط التي هيمنت إثر الهزيمة إلى أن تبدأ المقاومة بتتالي تنفيذ العمليات الفدائية مع الإحاطة بتطور شخصية صبحي، ليظهر شغفه بالصحف وقراءة الأخبار وشرائه الكتب رغم دخله المحدود، في الوقت ذاته عمل على حركة الكاميرا التي أفردت مشاهد متتالية لسير النقل الداخلي وحافلات الركاب وسط الازدحام، الذي كان السبب بلقاء صبحي بندى –جيانا عيد – في الحافلة التي تتوقف فجأة لحماية أحد المارة من الدهس، فتقع ندى على صبحي.. وهنا يتكرر اسم الفيلم الذي حمل اسم الرواية في بعض المشاهد التي كانت حداً فاصلاً بالأحداث.
ولم يقتصر البعد السياسي على الحرب والمقاومة إذ امتد ليطال القبض على أحد الجواسيس الإسرائيليين، وعلى ضرورة وجود لواء إسكندرون في خارطة سورية، لينتقل البعد السياسي إلى البعد الاقتصادي ومناقشة أسلوب التجارة وأسلوب الإنتاج الآسيوي، والانفتاح نحو الدور الصناعي لرفع اقتصاد البلد، فتزداد التغييرات التي بدأت تطرأ على صبحي وانجراره إلى الفساد تدريجياً وبشكل غير مباشر بدلالة سهراته مع صديقه التاجر مقابل مساعدته له بتسريع معاملاته بالمالية.
وخلال القصة العاطفية بين ندى وصبحي يرافقها إلى المخيم، لتدور مناقشات تتناول الصراع العربي الإسرائيلي، ومن المخيم إلى أمكنة أخرى، وصولاً إلى الغرفة التي فوق السطح التي يستأجرها صبحي بالساعة تقابلها العوامة في الفيلم المصري.
الخلاف بين الفيلمين بدا أيضاً في نهاية العلاقة العاطفية وإن كانت واحدة باتخاذ الأنثى قرار الانفصال، فبعد معرفة صبحي أنه ليس الرجل الأول في حياتها يرفض الجنين فتعرض ندى حياتها للخطر إثر الإجهاض، وحينما يتراجع عن موقفه ترفض العودة إليه وتقرر متابعة طريقها بعيداً عنه.
أما وفاء –نيللي- في الفيلم المصري ترفض عودة أحمد إليها بعد إجهاض نفسها بطريقة مؤذية، وتقرر أن تتزوج من ابن عمتها الطبيب الذي استوعب حكايتها وتورطها مع الرجلين إشارة إلى الأمل الذي رمى إليه الكاتب صبري موسى لبداية التطور الفكري الاجتماعي واستمرار الحياة بالابتعاد عن الماضي.
ملده شويكاني