Uncategorizedدراساتصحيفة البعث

قراءة في كتاب بولتون “الغرفة التي شهدت الحدث”.. عندما يصبح الحليف عدوا !

علاء العطار

 

جاء في الأمثال: “المخادع ذئب يبكي تحت أقدام الراعي”، لذا ليس مستغرباً في إدارة ترامب أن يتحول الحليف منهم إلى ألد الأعداء.

مع اقتراب انتخابات عام 2020، خرج علينا جون بولتون بكتاب جديد عنوانه: “الغرفة التي شهدت الحدث: مذكرات البيت الأبيض”، يذكر فيه اتهامات خطيرة بشأن أقوال ترامب وأفعاله خلال الوقت الذي أمضاه مستشاراً للأمن القومي.

صدر الكتاب يوم الثلاثاء 23/6/2020، ويقع في خمسمئة وسبعين صفحة، يوضح فيها علاقة ترامب المشحونة مع زعماء الدول الأخرى، والنهج الذي يتّبعه في مسائل السياسة الخارجية، ويذكر بولتون أنه ذهل من الأمور التي جرت على لسان ترامب أو في تغريداته.

 

ترامب يتوسل مساعدة الصين

ذكر الكتاب أن ترامب تحدث هاتفياً مع الرئيس الصيني في الثامن عشر من حزيران من عام 2019 ليحدد لقاء معه، وألمح إلى أن كل ما يهم ترامب هو مكاسبه الشخصية فقط: “بدأ ترامب بإخبار شي جين بينغ أنه اشتاق إليه، ثم قال إن أحب شيء انخرط فيه إلى قلبه هو إبرام صفقة تجارية مع الصين، ما سيعود عليه بفائدة كبيرة سياسياً، واتفقا على أن بإمكان فريقيهما الاقتصاديين مواصلة الاجتماع”، وأضاف: “قال [شي جين بينغ] إن بعض الساسة في الولايات المتحدة يصدرون أحكاماً خاطئة بالدعوة إلى حرب باردة جديدة، تكون هذه المرة بين الصين والولايات المتحدة، لا أعلم إن كان [شي جين بينغ] يقصد الديمقراطيين، أم من يجلس منا على الجانب الأمريكي من طاولة الاجتماع، لكن ترامب افترض فوراً أنه يقصد الديمقراطيين، فأبدى ترامب استحسانه وقال إن هناك عداء كبيراً [للصين] بين الديمقراطيين”.

وأشار بولتون إلى أن ترامب توسّل الرئيس الصيني في المفاوضات التجارية للموافقة على شراء المنتجات الزراعية الأمريكية بغية تعزيز مكانته السياسية، وتحسين صورته أمام المزارعين الأمريكيين فينتخبونه مرة أخرى، وكتب بولتون في هذا الصدد: “ثم حوّل ترامب محور المحادثة بصورة مثيرة إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، وألمح إلى القدرة الاقتصادية الصينية، وأخذ يتوسل [شي جين بينغ] لضمان فوزه، وشدد على أهمية المزارعين، وزيادة المشتريات الصينية من فول الصويا والقمح بنتيجة الانتخابات”.

 

ترامب وأردوغان صديقان

بمعزل عن الرئيس الصيني، يتهم بولتون ترامب بـ “تقديم خدمات شخصية لطغاة يفضلهم”، ففي عام 2018، عرض المساعدة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تحقيق جار بشأن شركة تركية، وسرد بولتون تفاصيل مكالمة هاتفية بين أردوغان وترامب، وقال إن أردوغان بدا “وكأنه موسوليني يتحدث من شرفته في روما، باستثناء أن أردوغان كان يتحدث بهذه النبرة عبر الهاتف، كان يبدو كما لو أنه يحاضر بنا أثناء وقوفه على مكتب الرئيس الأمريكي”، وشدد على أنه لا يرى في أردوغان أكثر من “إسلامي متطرف يطمح إلى تحويل تركيا من دولة علمانية إلى دولة إسلاموية”، وذكر أن ترامب يرى فيه صديقاً.

 

ابن سلمان وقضية خاشقجي

وفي تناوله قضية اختفاء جمال خاشقجي في اسطنبول، قال بولتون إن “تعامل ترامب مع هذه الجريمة يتعارض تماماً مع طريقة صناعة القرار المعتادة”، وأضاف: “نصحت السعوديين أن ينشروا الحقائق على الفور، أيما كانت لينتهوا من الأمر برمته، وفي اليوم التالي تحدثنا مع ولي العهد محمد بن سلمان، فشدّدنا على مدى خطورة النظر في هذه المسألة، وحثثت ولي العهد على اكتشاف ما حدث لخاشقجي بالضبط، وأن ينشر من ثم تقريراً عنه قبل أن يسرح الناس بخيالهم”.

وذكر الكتاب: “على عكس العديد من القضايا الأخرى، اتخذ ترامب قراره بسرعة، وقال في مقابلة مع برنامج 60 دقيقة في عطلة نهاية الأسبوع إنه لن يقطع مبيعات الأسلحة إلى المملكة، وفي يوم السبت، اقترحت على بومبيو الذهاب إلى السعودية، عوضاً عن إرسال مسؤول أقل مرتبة، وهو ما كان يحبذه هو [بومبيو] وترامب، وطرح ترامب يوم 15 تشرين الأول الأمر على الملك سلمان الذي رحب بزيارة بومبيو، وكان ترامب يشعر بضغط من وسائل الإعلام الأمريكية، لكن الضغط كان يدفعه على نحو مفاجئ نحو دعم أقوى للمملكة، وليس أقل من ذلك، ساهمت رحلة بومبيو الخاطفة في إكساب السعوديين بعض الوقت، إذ أتاحت لهم فرصة أكبر لإخراج الحقائق، لكن ترامب لم يكن ينتظرها أصلاً، ونشر السعوديون بعد ذلك مسوغات، واتهموا العديد من كبار المسؤولين، لم يقنع التقرير السعودي معظم المحللين، لكنه عكس رواية من الواضح أنها لن تتغير، أثناء هذه الفترة، دعم ترامب الرواية السعودية عبر تصريحاته وتغريداته، ولم يتوان قيد أنملة عن دعم الحلف بين أمريكا والسعودية عموماً، أو عن مبيعات الأسلحة الضخمة التي تفاوض عليها بالفعل مع المملكة”.

وتابع بولتون: “قرر ترامب إصدار بيان دعم مطلق لمحمد بن سلمان، كان نص البيان جازماً، وبالتالي خاطر بالإضرار بصورة ترامب نفسه إذا تغيرت الحقائق، لم يكن من الصعب إجراء بعض التغييرات التحريرية لتحصينه، وفي 20 تشرين الثاني، أراد ترامب الاتصال ببن سلمان ليخبره أن البيان جاهز، ويقول له: “لقد قدمنا لك صنيعاً كبيراً لمساندتك”، وكان يقصد بذلك أنه سواء فعلها أم لم يفعلها، نحن نقف إلى جانب السعودية”.

ويتبيّن من حديث بولتون في نصوص لاحقة أن مساندة آل سعود، وتحديداً ابن سلمان، أمر غير قابل للنقاش، سواء كانوا مرتكبي الجريمة أم لا، ذلك أن “لدينا مصالح وطنية أمريكية كبيرة على المحك، وسيؤدي سحب الدعم على الفور إلى بذل خصومنا جهوداً تعويضية في المنطقة لاستغلال الوضع على حسابنا”.

 

استخفاف بترامب

استخف بولتون في كتابه بمعرفة ترامب للحقائق، وبمدى ملاءمته لمنصبه، فيقول على سبيل المثال: إن ترامب لم يكن يعرف أن بريطانيا قوة نووية، وكان يظن أن فنلندا “دولة تابعة لروسيا”، وجاء في الكتاب أيضاً أن ترامب كان يعتقد أن غزو فنزويلا سيكون “أمراً رائعاً”، وأن بلدان أمريكا اللاتينية “جزء من الولايات المتحدة”.

وسخر بولتون في كتابه من ترامب، إذ وصفه بأنه “غريب الأطوار كثير الشكوك”، و”لا أعتقد أنه صالح للمنصب، لا أظن أن لديه القدرة على أداء المهمة”، وأشار إلى أنه غير مهتم وجاهل بالعديد من جوانب السياسة الخارجية، ووصفه في مواقع أخرى من الكتاب بأنه “ساذج وخطير”، و”لا يمكنك تركه بمفرده لدقيقة”، وقال إن عملية صنع القرار “المشتتة” في البيت الأبيض ستودي بالبلاد إلى التهلكة، وأعرب عن أمله بألا ينجح ترامب بالانتخابات الرئاسية القادمة.

 

سورية وإيران

يشير الكتاب إلى خلل كبير في تعامل ترامب مع الأزمة السورية، ويلمح إلى عدم جدية الإدارة الأمريكية في حل الأزمة السورية، أو في حماية المدنيين السوريين كما تدعي، وإلى أن ترامب لا يرى أية مصلحة في محاربة تنظيم “داعش”، ولم يخل الكتاب طبعاً من بعض الأكاذيب، خاصة فيما يخص سورية والهجمات الكيميائية، إذ بدا بولتون مقتنعاً بأكذوبة مسؤولية الحكومة السورية عنها، بالرغم من الوثائق التي تسربت من أرشيف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وبرّأت ساحة الحكومة السورية.

كل مرة يخرج لنا ترامب بأنه يريد الخروج من سورية وغيرها من البلدان، والحقيقة، كما جاءت على لسان بولتون، أنه كان يريد من بعض “الدول العربية نشر مزيد من قواتها هناك، وأن يدفعوا تكاليف وجود القوات الأمريكية المتبقية”، لكنه لم ير في استبدال القوات العربية بالأمريكية “إعادة توجيه استراتيجي، بل وسيلة لتحويل الانتقادات السياسية الداخلية عنه، والتي نتجت عن تنامي تصريحاته العلنية الكليلة حول الانسحاب من سورية”.

وفي معرض حديثه عن تنظيم “داعش”، قال بولتون: إن “الانسحاب من سورية خطأ فادح، لأن نفوذ إيران سينمو بلا شك”، وقال إنه حث بومبيو وماتيس للتركيز على الصورة الكبيرة، ويقصد بها إيقاف إيران في سورية، وليس محاربة تنظيم “داعش”، وتخوّف بولتون من أن تتخلى الولايات المتحدة عن حلفائها على الأرض السورية، يقصد بهم هنا ميليشيا “قسد”، سيؤدي بهم إلى “التحالف مع الأسد ضد تركيا التي يعتبرونها خطراً كبيراً عليهم، وبالتالي تعزيز قوة الأسد، حليف إيران”.

ويتساءل بولتون عن سبب تحالفهم مع “قسد” في محاربة “داعش”: “لماذا انضممنا إلى جماعة إرهابية لتدمير أخرى انبثقت من فشل أوباما في رؤية أن إيران كانت تهديداً أكثر خطورة علينا، الآن وفي المستقبل”.

ما أوضحه كتاب بولتون أن لا أحد في الإدارة الأمريكية كان يكترث لأمر الشعب السوري، كانت إيران هوس بولتون، واهتم ماتيس بتنظيم “داعش” الإرهابي، واهتم جيفري بالعلاقة مع تركيا، وكان هاجس ترامب الوحيد هو قاعدته الانتخابية، ولم يكن بومبيو يهتم إلا بإرضاء ترامب وإطاعة أوامره، لم يهتم أيّ منهم فعلاً بالشعب السوري ومعاناة بلد أهلكته الحرب، بل كانت أقوالهم مجرد هراء وتسويغات للتخلص من شوكة استعصت عليهم في الشرق الأوسط.

وتكشف مذكرات بولتون الكثير عن استراتيجية دونالد ترامب في سورية، وتشرح لعبة الشطرنج السياسي بين ترامب وتركيا وحلفاء الولايات المتحدة في سورية، ويتبيّن من الأحداث التي سردها بولتون أنه مهندس هذه الاستراتيجية التي فشلت في الحفاظ على الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في سورية.

 

من هو بولتون؟

المحامي والدبلوماسي الأمريكي جون روبرت بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، وأحد صقور السياسة الأمريكية، ويعرف عنه أنه يمينيّ متطرف يؤمن باستخدام أقصى درجات العنف، ولا يحظى بحب زملائه الجمهوريين، وخصومه الديمقراطيين، عمل مساعداً لجيمس بيكر مع بوش الأب في رئاسة الجمهورية، ثم عمل مع بوش الابن، وعمل سفيراً لدى الأمم المتحدة، وهو زميل كبير في معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة.