“الصبية والليل”.. جريمة في الحرم الجامعي لصبية اختطفها الليل!
“قد يكون الماضي العدو الأكبر في بعض الحالات، لاسيما إن كان مليئاً بالجثث والجرائم، الحب والمصائر الغريبة التي يؤدي إليها، الأبوة والتضحية المترتبة عليها، والصداقة العميقة إلى حد المشاركة في جريمة دون تردد”، في الحرم الجامعي وتحت وطأة عاصفة ثلجية أصدقاء يجمعهم سر مأسوي.
لم يلتقِ توماس بفاني وماكسيم منذ أيام الدراسة، مع أنهم كانوا أعزّ الأصحاب، تجمع بينهم صداقة فينكا روكويل الطالبة المميزة البالغة 19 سنة، وفي حفلة لقدامى “الليسيه” يتم لم شملهم بعد 25 سنة. وفي ظروف غامضة وتحديداً عام 1992، ارتكبوا جميعاً جريمة مروعة، وواروا جثة القتيل في حائط الجمنازيوم الذي سيُهد بعد الحفلة لتشييد مبنى جديد، قنبلة موقوتة تفجرت لتظهر الحقيقة وتكشف الأسرار.
عُرفت فينكا الطالبة الألمع في الصفوف الإعدادية مع أستاذها في مادة الفلسفة إثر علاقة غرامية أبقياها طيّ الكتمان، فبالنسبة إلى الصبية “الحب هو أن تبذل الذات كلها أو لا شيء” ومنذ ذلك الحين لم يرها أحد قط، وقصة الحب هذه كانت مفتاح الحبكة في الرواية، ففي ليلة من ليالي الشتاء القارس، وفيما شلت عاصفة ثلجية هوجاء الحياة في الحرم الجامعي، هربت فينكا مع أستاذها لتلقى حتفها الأليم في تلك الليلة، لتصبح الصبية التي خطفها الليل.
تدور أحداث رواية الكاتب الفرنسي غيوم ميسو “الصبية والليل” حول الركام المختبئ تحت الوجوه والمدن والألقاب والمهن، عن الحطام المتخفي بشخصيات تبدو صلبة متماسكة مثالية لدرجة من الممكن أن تكون نماذج اجتماعية، وقدوةً يحتذى بها، في حين ينكشف الستار عن أبطال يبدون رموزاً لامعة وأسماء معروفة تختبئ من جريمة تقادمت مع الزمن الذي يغلق الأحاديث والأسئلة، ويبقيها مفتوحةً تنتظر الإجابة.
في 2019 قدم غيوم ميسو رواية “الصبية والليل” ليأخذ القارئ نحو عالم مليء بالظلال والخوف، وفي نفس الوقت مليء بالمشاعر الفياضة من الحب والإخلاص والغيرة، وينتقل الراوي بين زمنين، أحدهما عام 1992 حيث يظهر الحنين مثل موجات ثقيلة الوطأة على الطالب الجامعي المتورط بجريمة قتل، وإلى عام2017 ليعاود الظهور ككاتبٍ وروائي شهير، يهرب من تعذيب الحقيقة إلى عالم الكتب، وكأن الكاتب الحقيقي يصوّر نفسه وكأنه أحد هؤلاء الأصدقاء وبالتحديد الروائي، حيث قال: “لطالما كنت مقتنعاً بأن الكتب أنقذتني من موت محتم”. في الواقع، يجد في ابتكار القصص والخيال عبوراً وهروباً من فشله في التحكم بمجريات الحياة، وفي إحدى صفحات الرواية كتب: “كلما عرفتِ أقل، كنتِ مرتاحةً أكثر”.
يعود بطل “الصبية والليل” إلى كوت دازور التي ترعرع فيها، لحضور حفلة تجمع أصدقاؤه طلاب مدرسة الليسيه، لتكشف الرواية عن تورط أسماء جديدة منهم في جريمة القتل، التي انتهت بإخفاء الجثة في حائط الجمنازيوم الذي يتقرر هدمه بعد انتهاء الحفل. في الحقيقة تتميز كتابات ميسو بملء القصص من الخيال بهدف تحدي الواقع، ليس بغية تصحيحه فحسب، بل ومحاربته في عقر داره، وتفحّصه وفحصه لنكرانه ونفيه.
قال في الرواية: “الروايات لم تُشفِن لكنها أراحتني قليلاً من ثقل ذاتي، من ثقل أن أكون أنا، لقد قدمت لي فسحةً لأنفّس عن همومي، شكّلت الكتب سدّاً منيعاً في وجه طوفان الرعب والهلع الذي يهدد بجرفي”. وقال أيضاً: “أنت تعيش في عالمكَ الأدبيّ والرومانسي، الحياة الحقيقية لا تمت بصلة إلى ذلك، الحياة كلها عنف!”.
جمان بركات