فهلوية التجار..!
لطالما اشتهر التّجار بالفهلوية التي يمارسونها على المواطن والحكومة معاً، فهم من جهة يستمرون برفع الأسعار ويؤكدون أنه لا يوجد تاجر يمكن أن يبيع دون سعر التكلفة، ومن جهة أخرى يقدّمون بيانات “كاذبة” للحكومة تؤكد أنهم من الخاسرين كي لا يدفعوا ضريبة أرباح لوزارة المالية ولو كانت قرشاً واحداً!!
وفي كل مرة يصدر قرار يُنصف المواطن أو يخدم الاقتصاد الوطني يستخدمون “فهلويتهم” لإفراغه من مضمونه، وكأنّه لم يكن. فقرار إلزام التّجار بتسليم 15% من مستورداتهم للسورية للتجارة، تمكنوا من الالتفاف عليه بإدخال الجزء الأكبر من مستورداتهم تهريباً، أي بلا فواتير ولا رسوم ولا 15%.. إلخ!!
وبما أنهم لا يُؤمنون بالعملة الوطنية فقد كانوا – ولايزالون – يحّولون قيمة مبيعاتهم إلى دولارات يشترونها من السوق السوداء ويهربونها إلى الخارج، أو الفائض منها الناجم عن بدل مستورداتهم الجديدة. وبما أنهم “فهلويون” فقد اختصروا عملية تبديل أرباحهم إلى دولارات وفرضوا تحويل عملياتهم التجارية الداخلية من الليرة إلى الدولار، أي قرروا وخلافاً للأنظمة والقوانين “دولرة” العمليات التجارية، واقتدى بفعلتهم صغار الفعاليات التجارية المتوسطة والمتناهية الصغر، وبات شائعاً أن تجد محلات بيع صغيرة لا يتعامل أصحابها إلا بالدولار!
وأمام هذا الوضع اللاطبيعي، ومنعاً لاستفحاله صدر المرسومان 3 و4 لمنع التداول بغير الليرة، وفرضا عقوبات بمنتهى القسوة حماية لليرة وللاقتصاد الوطني ومنعاً لاستغلال المواطن. ولعلّ التّجار الذين “استمرؤوا” الاستهتار بالليرة والإصرار على إضعافها، مع ما يعنيه ذلك من زعزعة استقرار الأسعار والأسواق والاقتصاد، لم يصدقوا بأن المرسومين سينفذان بسرعة.
وقد كشفت الضبوط بالجرم المشهود لعدد كبير من التّجار والكثير من الفعاليات التي لا تخطر على بال أن ظاهرة “دولرة” العمليات التجارية، باتت تشكل خطراً كبيراً جداً، ولن يصدق أحد بأن غرف التجارة لم تكن على دراية تامة باستفحال “دولرة” الاقتصاد، وهي التي كانت تدافع بشراسة عن رفض التّجار لتسليم 15% من مستورداتهم الممولة أصلاً من المصرف المركزي بسعر صرف الدولار الرسمي.
وقد حاول التّجار مباشرة أو عن طريق غرفهم النيل من المرسومين 3 و4، تارة بأنهما سيؤثران على عمليات الاستيراد، وتارة أخرى بالتهديد بوقف إمداد الأسواق بحاجاتها من المواد الأساسية.. إلخ، وبعدما اكتشفوا أن التهديد لن يفيد، قدموا مقترحات “فهلوية” تجيز لهم التعامل بالدولار، وكان بعضها بمنتهى الفهلوية فعلاً!!.
طالبوا بالسماح لهم ببيع بضائعهم لتّجار عرب وأجانب يزورون سورية وقبض جزء من ثمنها بالقطع الأجنبي، وبأن هناك “عدداً من المستوردين الذين يموّلون مستورداتهم بوسائلهم الخاصة وهي مواد ضرورية للأسواق، وتحدّ من تهريب هذه البضائع بطرق غير نظامية”!
الردّ على هذه “الفهلويات” سهل جداً: بإمكان الزوار العرب والأجانب استبدال الدولارات اللازمة لدفع جزء من بضائعهم من منافذ الحدود أو فروع المصرف التجاري بالليرات السورية، كما أن أي جهة حكومية لم تقل أنه ممنوع على التاجر تمويل مستورداته من دولاراته الخاصة.. الممنوع أن يحوّل أرباحه من الليرات السورية إلى دولارات من السوق السوداء، والأهم أن الحكومة سمحت للمصدّرين بأن يستخدموا حصيلة صادراتهم لتمويل مستورداتهم!
وآخر فهلوياتهم “التصويب” على الجمارك لأنها تصادر مهرباتهم التي تملأ مستودعاتهم!!
بالمختصر المفيد: عندما يمنع اقتصاد حرّ مثل لبنان تحويل أي دولار إلى الخارج، فإن “فهلوية” التّجار بتقديم اقتراحات لشرعنة “دولرة” بعض العمليات التجارية والتهديد بحرمان الأسواق من السلع الأساسية.. هراء بهراء!
علي عبود