بسام حميدي: “المنديل” رؤية بصرية جديدة!
بعد نجاح تجربته الأولى في المسرح البصري “ضوء القمر” الذي قُدم قبل سنتين على خشبة مسرح الحمراء، يتابع مصمم الإضاءة والمخرج بسام حميدي ما بدأه على صعيد المسرح البصري، محاولاً في عرضه الجديد “المنديل” والذي من المقرر أن يُقدَّم على خشبة مسرح الأوبرا أيام 5و6و7 تموز محاولاً فيه أن يُقَدّم ما يجمع بين المسرح الدرامي الراقص والمسرح البصري من خلال تقديم رؤية بصرية جديدة باستخدام تقنيات متقدمة نوعاً ما لعرض يناقش فكرة البصر والبصيرة من خلال حكاية إنسانية تتناول قصة زوجين شابين لا يبصران يعيشان حالة حب كبيرة، ولذلك يدعوان أن يعود البصر إليهما، وهذا ما يحدث، وهنا تتحول حياتهما الزاخرة بالألوان أثناء العمى إلى حياة أبيض وأسود أثناء البصر، فيقرران أن يعودا لحياة العمى، مشيراً حميدي في حواره مع “البعث” إلى أن الغرافيك هو أساس عرضه والعروض البصرية فهو يكمّل الإضاءة والمشهدية بشكل كامل لإيصال الرؤية البصرية والمشاهد مع تأكيده على أن استخدام الغرافيك يتطلب من الممثل أن يكون دقيقاً في تعامله مع أبسط التفاصيل، في حين أن الموسيقا هي أداة أُخرى للتعبير والتفسير وهي في “المنديل” من تأليف المايسترو نزيه أسعد الذي عبر من خلال الموسيقا عن المراحل الثلاث التي مر بها الزوجان: مرحلة الفرح والرومانس –مرحلة العمى- وفيها استُخدِمَت موسيقا تعبر عن الحب والرومانس، أما مرحلة الدعاء والتمني فكانت بحاجة لموسيقا تشد الجمهور من الداخل في حين أن مرحلة الإبصار احتاجت لموسيقا تعبر عن القلق والحزن والتوتر، مؤكداً أن الغرافيك والموسيقا والرقص عناصر أساسية توازي في أهميتها النص.
ثلاثي الأبعاد
يعتمد المشروع على تقنية ثلاثي الأبعاد وذلك بشكل محترف وهي تقنية جديدة، إضافة إلى خدع بصرية ستكون على المسرح، مبيناً حميدي أن العرض ليس سهلاً لأنه يجمع بين ما هو بصري وما هو درامي، إضافة إلى أنه عرض راقص يتم فيه إيصال الفكرة من خلال الرقص الذي قام بتصميمه نورس عثمان بحيث يضم العرض نحو سبع رقصات، وكل رقصة تمثل حالة من حالات الفكرة، مؤكداً أن الرقص هنا ليس لمجرد الرقص بل هو وسيلة لإيصال أفكار العرض وما يريد قوله في كل مشهد دون كلام، مع إشارته إلى أن المشاهد الصامتة هي من أصعب أنواع العروض، وأن إقناع الجمهور فيها مسألة ليست سهلة، منوهاً بأن هناك عروضاً بصرية بحتة تُقدَّم في الخارج خالية من أية حكاية وهي عروض تُقدّم ما هو مبهر وجميل على صعيد الصورة، في حين يحرص هو دائماً على تقديم عرض بصري يتناول قصصاً إنسانية تشدّ كل الفئات وتمس كل الشرائح.
المرحلة الأصعب
يوضح حميدي أن كتابة سيناريو العرض لم تكن مسألة سهلة على الإطلاق للتعبير عن الحكاية التي تدور حول اثنين يحبّان بعضهما وهما لا يريان، ويحلمان أنهما أبصرا، وعندما يريا ما يحدث في العالم يفضلان العودة إلى عالمهما، منوهاً بأن أكثر من كاتب حاول كتابة هذا النص وكانوا من أصحاب الخبرة وقد كتب أكثر من سيناريو ليتم الاستقرار أخيراً على النص الذي سوف يشاهده الجمهور والذي كان الأكثر إمكانية لأن يترجم تقنياً، شاكراً عبير عودة التي نجحت في إنجاز السيناريو بشكله النهائي وكانت الأقرب في كتابتها للسيناريو المراد، خاصة وأنها خريجة قسم الإضاءة في المعهد العالي للموسيقا، وقد تعاونا سوية في كتابته لترجمته تقنياً، منوهاً الفنان بسام حميدي بأن ترجمة أي فكرة في العروض البصرية هي المرحلة الأصعب، والنص فيها هو الأساس، ولا يخفي أنه استفاد كثيراً من تجربته الأولى، لذلك كان مصراً على الانتهاء من كتابة النص ومن ثم ترجمته تقنياً مع إجراء تعديلات عديدة عليه تتناسب والتقنية المراد استخدامها عبر أجهزة حرص على شرائها بمواصفات معينة غير موجودة عند أي جهة وقد سعى لاقتنائها ليستكمل مشروعه في مجال العروض البصرية وحرصاً على تقديم نتائج مختلفة عمّا هو معتاد، مؤكداً أنها ليست تقنيات ضخمة ولكن تمت معالجتها من قبله بحيث لا تقل عن المستوى الذي يريده لتقديم نفس النتيجة، مبيناً أن الخبرة لعبت دوراً كبيراً في التعامل مع هذه التقنيات لتقديم عمل بصري جديد.
استكمال المشاريع لا تقليدها
ما يقدمه حميدي هو محاولة لتأسيس مسرح بصري في سورية، وفي مشروعه الأول “ضوء القمر” واجهته مشكلات كبيرة، أهمها برأيه إيجاد جهة تدعمه وتؤمن بما سيقدمه، إضافة إلى إيجاد مكان يحقق نجاح التجربة، ونجاح التجربة الأولى هو الذي سهّل كثيراً من الأمور في مسرحية “المنديل” ودعا دار الأوبرا لتقديم هذا المشروع بالتعاون مع المؤسسة العربية للإعلان بعد اطّلاعها على التجربة الأولى لتكون شريكاً في إنجاز هذا العمل، متمنياً في المشاريع القادمة أن تتبنى الجهات الخاصة مثل هذه المشاريع لتشجيعها على الاستمرار وتقديم أعمال أكثر تطوراً منها، خاصة وأن الجمهور لم يعد يقبل بما هو عادي منتظراً أن تأتي أسماء أخرى لاستكمال مثل هذه المشاريع وتطويرها بدلاً من نسخها وتقليدها لأن ذلك سيجعلنا نراوح في المكان نفسه، ولا ينكر أنه سيكون سعيداً إذا أتى من يقلده ولكنه سيكون أسعد عندما يأتي من يبني على تجربته ليُقدّم ما هو أكثر تطوراً لأن ذلك سيشجعه أيضاً للبحث وتقديم تجارب أكثر تطوراً مما قدمه، وفي هذه الأجواء فقط يتطور المسرح برأيه لا بوجوده وحده في هذا المجال، خاصة وأن حالة التكرار في العروض تجعل الجمهور يمل منها وهو الذي يغريه كل ما هو جديد، ولا يخفي أنه في تجربته الأولى كان يخشى من عدم تقبل الجمهور لمثل هذه العروض، ولكن ما حدث بعد ذلك هو أن الجمهور نفسه صار يسأله دائماً عنها رغبة منه في رؤية ما هو جديد.
مسرح متطور
يبيّن بسام حميدي أن المسرح البصري في الخارج مسرح متطور جداً لأنه مرتبط بالتقنيات الحديثة والمتطورة، وما شاهده في الخارج وخاصة أثناء دراسته في فرنسا يبيّن أن المخرجين البصريين غالباً ما تكون لهم علاقة باختصاص تقني كالإضاءة مثلاً لطبيعة هذه العروض التي تعتمد على التقنيات.. من هنا يرى أن نجاح مثل هذه العروض غالباً ما يكون مرتبطاً بمدى دارسة مخرجها وإلمامه بأدق تفاصيل الإضاءة والسينوغرافيا.
ويختتم بسام حميدي حواره مشيراً إلى أن مشاريع كثيرة في ذهنه على صعيد المسرح البصري، لذلك يحاول التأسيس لفريق دائم لتقديم هذه العروض لأن ذلك يختصر الكثير من الوقت والجهد، مع إيمانه باختصاص كل فرد من أفراد هذا الفريق، موجهاً الشكر لعروة العربي الذي لم يبخل بملاحظاته القيمة.
يذكر أن “المنديل” فكرة وإخراج بسام حميدي، أداء خاجيك كجه جيان، سماح غانم، كريوغراف نورس عثمان، إشراف درامي عروة العربي، تأليف ومخرج مساعد عبير عودة، تصميم الغرافيك والمؤثرات البصرية أسامة الخضر وأحمد موره لي، تصميم الديكور محمد كامل، تصميم الإضاءة جواد أبو كرم، تصميم وتنفيذ الأزياء أحمد منصور.
أمينة عباس