صناعة المراكب في جزيرة أرواد.. تندثر بصمت!!
منذ أكثر من ٢٦٠٠ عاما، اشتهرت الحضارة الفينيقية القديمة بصناعة السفن والقوارب، وكان للفينيقيين الفضل بنقل هذه الصناعة إلى العالم، حيث عبرت هذه السفن المحيطات والقارات، وكانت من أهم وسائل التواصل بين الشعوب والأمم، ولعبت دوراً هاماً في ازدهار التجارة وتبادل المنتجات بين الدول، ومن خلالها تم نقل آفاق التطور للبشرية، وتوارث الارواديون هذه الصناعة العريقة عن أجدادهم الفينيقيين، وأثبتت هذه السفن والقوارب جودة صناعتها ومتانتها، ودقة توازنها، وإتقان صانعيها، ولم يتوقفوا عن إنتاجها بالجودة والقوة نفسيهما، ومازال الحرفيون الارواديون يصنعون قواربهم وسفنهم بتنوع مختلف، منها اليخوت، وقوارب الصيد والنزهة، ولكن بإضافة متطورة لبعضها، حيث تم تزويدها بمحرك ميكانيكي حديث لتتناسب مع متطلبات الحياة العصرية، وسرعة الحركة، وبحسب صناعها فهي الآن مهددة بالاندثار لأسباب عديدة، من أهمها انقطاع منح التراخيص لفترة طويلة لإنشاء مثل هذه القوارب، بالإضافة لغلاء المواد الأولية في صناعتها، وغلاء المحروقات وعدم توفرها بالشكل الأمثل، وهي التي تشكّل العصب الرئيسي في هذه الصناعة.
مهنة الأجداد
يقول فاروق بهلوان، صاحب ورشة لصناعة المراكب في ارواد: “توارثنا مهنة تصنيع القوارب أباً عن جد، ولكنها الآن مقبلة على الاندثار بسبب منع تراخيص الصيد في الفترة ما بين ٢٠٠٠ وحتى ٢٠١١، فلجأ أبناؤنا إلى البحر، ولم يمتهنوا هذه المصلحة، وعمرها المتبقي بضع سنين، إذا لم يتم دعمها وتشجيعها وضمان استمراريتها”، ولفت بهلوان أنه لصناعة مركب صيد يحتاج الأمر وسطياً لحوالي السنة ليتم إنجازه، وعملية الإنجاز تتوقف على طول المركب وحجمه، وهناك مراكب من ٩-٢٢ متراً، وتمر صناعة المراكب بعدة مراحل: (البريم، الأضلاع، الزنار، الخيزرانة، التقوية، السكاج، تلويح الضهر، الباقوس، التلويح الخارجي، القلفطة، المعجون، الدهان الخارجي)، وبمراحله الأخيرة يتم تركيب محرك وكبين، وكل هذه الأمور تتم صناعتها بالورشة الخاصة.
غلاء الأسعار
ويبيّن الحاج بهلوان أن هناك صعوبة حالياً لأي شخص في البلاد لصناعة مركب صيد بسبب غلاء أسعار المواد الأولية، وغلاء الرسوم والتراخيص، ومنذ سنتين لا يوجد طلب لمثل هذه الصناعة، وحالياً بدأنا بصناعة مركب، ونتوجس من صعوبة تصديره في ظل الظروف الحالية، ويعاني صناع المراكب من صعوبة نقل الأخشاب من المحافظات إلى الجزيرة، وقلة وجود الخشب المناسب وغلاء سعره نظراً لاستخدامه للتدفئة، ما زاد في سعر الطن الواحد خمسة أضعاف، كما لفت الحاج بهلوان إلى أن أماكن إقامة الورشات والأراضي تحتاج إلى إعفاء من إيجار إشغال هذه الأراضي لتشجيع هذه المهنة، ولإقامة هنكارات للحماية من عوامل الطقس من برودة وحرارة، بالإضافة لمنح تراخيص جديدة من قبل الموانىء للاستمرارية، وتخفيض ما أمكن من الرسوم.
بشكل خجول
ويبيّن منذر رمضان، عضو اتحاد الحرفيين في المحافظة: أصبحت صناعة القوارب حالياً تتم بشكل خجول، وبأعداد قليلة، وقد تكون من الحرف المهددة بالاندثار في المستقبل القريب ما لم يتم تدارك الأمر وتذليل العقبات، بالإضافة إلى تشجيع الأجيال على تعلّمها، والعمل بها، وإقناعهم بأنها استثمار مستقبلي مربح، ويكون ذلك من خلال تأمين أحواض جافة ومزلقانات، وتخفيض الرسوم المفروضة على هذه الصناعة، وتعديل ما يلزم من قرارات وقوانين ذات الصلة بما يتناسب مع تطويرها، ويضيف رمضان: الأهم في وقتنا الحالي وفي ظل الأزمة تسهيل تأمين المواد الأولية بأقل الكلف الممكنة، مع تأمين كافة التسهيلات لنقلها من أية محافظة أخرى إلى داخل ارواد، فكل هذه العناصر، إضافة إلى بعض التفصيلات الأخرى، تؤسس لضمان استمراريتها، وعودة الأجيال إلى تعلّمها، ونقلها إلى المستقبل، وأشار إلى ضرورة إيجاد اتفاقيات مع دول الجوار ممن يرغب باستيراد هذه المراكب برسوم مخفضة ومتفق عليها، لأنه بذلك نضمن استمرارية لها، ونحفز العاملين بهذه الحرفة على التمسك بها كونها صناعة مربحة، ولأن ترويجها مضمون، مع العلم أنها ستباع بالقطع الأجنبي، وهذا الأمر يساهم بمردود إضافي للاقتصاد الوطني، وقال: يذلك نكون ضمنا استمرار مسيرة الأجداد، ونشر حضارتنا إلى العالم.
وأكد رمضان على ضرورة الاستماع إلى هموم الحرفيين ومتطلباتهم، والعمل على تذليلها تباعاً، وبذل كل الجهود الممكنة للحفاظ على الخبرات المتوارثة، وتحسين دخل الفرد للارتقاء بالمجتمع إلى الأفضل، وضرورة الربط ما بين الدولة ومؤسساتها الحقوقية والقانونية والعلمية، والسكان المحليين بما يملكون من حقوق ومعرفة، لأن عملية الربط هذه تؤدي إلى الازدهار، وتحقيق الفائدة للجميع.
رشا سليمان