هشام كفارنة مع قرب عرض “بيت الشغف”: سنبحر رغم الريح و العتمة!!
بعد غياب عن خشبة المسرح يعود المخرج هشام كفارنة إليها قائلاً: “لأن المسرح كان وسيبقى هاجسي، وعلى الرغم من كل الظروف الصعبة، سنبحر رغم الريح والعتمة لتقديم مسرحية بيت الشغف”، وإن كان بودّه أن يُقَدَّم العرض في ظروف أفضل ليس من أجل المسرح ومن أجل أن يحضر أكبر عدد ممكن من الجمهور بل لأمنياته أن يكون الناس دائماً بصحة وخير وأمان، فمؤلم كثيراً برأيه ما نمر به، مبيناً أنه ورغم غيابه الطويل عن خشبة المسرح إلا أنه عاد بالحماس نفسه الذي قدم فيه أول عرض له وكان بعنوان “الزنزانة” في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
أكثر من إعداد
يؤكد هشام كفارنة في حوارنا معه أنه لم يبتعد عن المسرح قط، فطوال الوقت كان مشغولاً بمتابعة العروض سواء في سورية أو في الوطن العربي، فقد كانت الفرص متاحة له لأن يكون في أكثر من مهرجان (قرطاج– الشارقة) كما قام بالإشراف على بعض دورات فن التمثيل والأداء الصوتي في الكثير من الأماكن، بالإضافة لوجوده في فترة من الفترات في المعهد العالي للفنون المسرحية كوكيل وأستاذ، فكان متابعاً لنتاجات المعهد ومديرية المسارح والموسيقا، كما كان عضو لجنة تحكيم في مهرجان قرطاج المسرحي منذ سنتين ومشرفاً على ورشة في الأداء الصوتي لمجموعة من المتدربين من الوطن العربي في دائرة الثقافة في دبي، وحتى عندما يكون مع ابنتيه الإعلامية ألمى كفارنة والممثلة ريام كفارنة فالمسرح غالباً ما يكون أساس الحديث والنقاشات بينهم.. من هنا كان سعيداً جداً عندما رشحت له ابنته ريام نص مسرحية “رغبة تحت شجر الدردار” وحرَّضته لإعادة قراءته مرة ثانية بعد أن كان قد قرأه أثناء دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية، ولا يخفي كفارنة أن في النص الأصلي الكثير من التابوهات الأخلاقية التي لا تناسب مجتمعنا، فكان بحاجة لإعادة صياغة لا تقف عند تخوم الإعداد، لذلك قام بإعادة الكتابة بشكل كامل ليخضع النص لأكثر للاقتباس، مغيّراً قليلاً في بنية النص فأضاف شخصيات وحذف بعضها وصاغ حوارات جديدة، كما تم التحايل على العديد من القضايا التي لا تناسب مجتمعنا، وخاصة ما يتعلق بالعلاقات القائمة بين شخصياته لتصبح علاقات مقبولة اجتماعياً.
أكبر كذبة
يشير كفارنة إلى أن نص “رغبة تحت شجر الدردار” للكاتب الأميركي يوجين أونيل هو نص من روائع المسرح العالمي ويحكي عن نزعة الملكية الموجودة عند البشر وكيف تتحول أحياناً لنزعة قاتلة تفكك العلاقات حتى ضمن الأُسرة الواحدة كالنزاع على الأرض والمال والميراث، فيفتك بأبناء الأسرة الواحدة مع أن الحياة يجب أن تكون مليئة بالمحبة والتعاون، منوهاً بأنه حاول أن يبتعد في خياره للنص عن ما هو آني، فالنصوص الآنيّة لا تغريه وهو ينفر من التعبير المباشر، والواقع أغنى بكثير من ظواهر عابرة، مؤكداً أن مقولة الفن هو مرآة الواقع أكبر كذبة لأن الفن برأيه هو رؤية خاصة للواقع وإعادة صياغة له، وهو واقع تضاف إليه رؤانا وأحلامنا وأرواحنا، وبالتالي فمن غير المجدي أن يتحول الفن لكاميرا تصوير، ليكون عكس الواقع مهمة يقوم بها الفن الوثائقي.
المتعة لا تتحقق بالضحك
لا يميل المخرج كفارنة إلى تقديم الأعمال الكوميدية في المسرح لقناعته أن المتعة لا تتحقق بالضحك فقط وإلا سننفي المتعة التي تحققها لنا لوحة تشكيلية لبيكاسو مثلاً أو مقطوعة موسيقية لموزارت دون أن ينفي أن الكوميديا تحقق المتعة التي لها علاقة بالترفيه، موضحاً أن المتعة لها علاقة بالتأمل والإدهاش والابتكار وتقديم رؤية جديدة مع سعي المسرح إلى تحقيق معادلة المتعة والفائدة في الوقت نفسه، مؤمناً كفارنة وهو الذي اعتاد أن يقدم عروضه بالفصحى لأن لغة المفردات العادية تصلح للتلفزيون وللمقالات الصحفية، أما المسرح بموضوعاته الجليلة فتناسبه لغة الشعر، لغة الاختزال والتكثيف والسمو، لذلك فإن كل من كتب للمسرح كانوا شعراء من عهد اسخيلوس لعهد ممدوح عدوان، مع تأكيده على أن مسرحه ليس مسرحاً شعرياً بل شاعري، وهو يرفض أن يقدم مسرحاً شعرياً لأن لغة الشعر تتحول لعبء كبير على الحالة الدرامية.
التلميح بدل التصريح
وعلى الرغم من أن نص “بيت الشغف” هو لرائد الواقعية الأميركية إلا أن كفارنة يبيّن أن عرضه ليس عرضاً واقعياً بل هو رؤية، دون أن ينكر أننا لا نستطيع الهروب من الواقع، فكل مفرداتنا منه، ولكن المهم برأيه هو كيف نصوّر هذا الواقع ونعيد رسمه، مبيناً أنه حطّم تلك الواقعية التي يراها اليوم هشة، مستخدماً لغة التلميح بدل التصريح سواء بالديكور أو الإضاءة أو الحركة، مؤكداً أنه في بداية البروفات كان يفكر بوضع بعض قطع الديكور، ولكن مع الوقت شعر أنها كتل صماء لا غاية منها إلا التفسير، لذلك استغنى عن الكثير منها تماشياً مع الوضع المادي الذي نعيشه جميعنا ويعيشه المسرح.
قدسية الكلمة
ولأنه شاعر يؤمن هشام كفارنة بقدسية الكلمة، يهتم كثيراً بالحوار في عروضه، ولكن مع هذا عندما يلتقط فعلاً أو إشارة تلغي وجود الكلمة لصالح الفعل أو الصورة لا يتردد في فعل ذلك، وبالتالي فإن كل من تابع عروضه لا بد أن يلفت الانتباه اهتمام كفارنة بالسينوغرافيا، مؤكداً أنه يحرص على إيجاد فضاء جميل ذي وظيفة حقيقية حتى لو كان عرضه مونودراما، كما يهتم كثيراً بالتوازن والميزانسين وعلاقة جسد الممثل مع الديكور ووضع الإضاءة ودراسة الألوان وانسجامها مع بعضها وتوازن الكادر، منوهاً بأنه في كل عرض جديد يسعى لتقديم رؤية مختلفة عن العرض السابق دون أن يتحرر تماماً من أسلوبيته التي يعمل بها، فهي هويته وبصمته.
علامة فارقة
لا يخفي كفارنة أن مسرحيته “الموت والعذراء” ما زالت علامة فارقة في حياته، وخصوصيتها تنبع برأيه من موضوعها الذي يهم كل الناس، وقد كان يهجو فيها الانتهازيين الذين يضحّون بكل شيء مقابل الحصول على المركز، ولأنها كانت تتناول أيضاً الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، موضحاً أنه دائماً يبحث عن النص الذي يهم كل الناس، ولو وقع بين يديه موضوع من التراث فإنه يبحث عن الحالة التي تحاكي آلام وأحزان الناس.
مهنة شاقة
يؤمن كفارنة بالممثل في العمل المسرحي، ويرى أن مسؤولية المخرج هي تفجير طاقاته واستثمار إمكانياته، مع ضرورة أن يؤمن الممثل إيماناً كاملاً بالمخرج حتى لو كان ممثلاً كبيراً، دون أن ينفي أهمية وجود علاقة تفاعلية بين المخرج والممثل.. من هنا لا يختار كفارنة ممثليه عن عبث، وهو غالباً ما يكرر تجاربه مع بعض الممثلين كما حدث في “بيت الشغف” مع الفنانة أمانة والي والفنان يوسف المقبل اللذين استعان بهما إلى جانب الفنانة صفاء سلطان التي يتعاون معها لأول مرة، وكذلك الفنان الشاب مجدي المقبل خريج المعهد العالي للفنون المسرحية والذي يعرفه كفارنة منذ صغره إلى جانب قيامه بتدريسه في المعهد، معترفاً أن مهنة المخرج مهنة شاقة وممتعة في الوقت نفسه، لذلك كانت خياره منذ البداية لأن العمل في الإخراج يتيح له أن يختار النص والممثلين والطريقة التي سيبدو فيها العرض أمام الجمهور.
ويؤكد كفارنة أنه لا يتعامل مع المسرح إلا بإخلاص، فهو حين يعمل فيه يعتذر عن كل المشاركات في الإذاعة والتلفزيون بحيث يتفرغ له كلياً لأن الإخراج في المسرح يتطلب تفرغاً وتركيزاً، ويستأثر بكل طاقات الفنان ليتم تسخيرها واستثمارها في العرض المسرحي.
يُذكر أن مسرحية “بيت الشغف” من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا وتبدأ عروضها بدءاً من العاشر من تموز.
أمينة عباس