أسرتي في جريدتي “البعث”
سلوى عباس
عندما تتزامن الكتابة مع ظرف تاريخي يعيشه المرء، فإنَّ هذه الكتابة ستصبح ناطقة بالحالة والظروف التي يعيشها الكاتب، ففي المرحلة الأولى تكون الكتابة تلقائية، وفي مرحلة لاحقة عندما يبدأ الوعي متجاوراً مع الكتابة، تبدأ الأسئلة التي تخصّ الحياة اليومية، ومع النضج والوعي أكثر بالكتابة قد تصل إلى الأسئلة الخالدة، الأسئلة الوجودية. وهنا يخطر السؤال: هل دور الكتابة أن تعكس الواقع وتصوّره؟ أم أنها تسعى لما هو أفضل؟ لكن حتى وهي تسعى لما هو أفضل كيف للكتابة أن تكون بناء لهذا الواقع المرتجى، بمعنى أننا لا نستطيع التعبير بواقعية مباشرة عن الواقع، ودور الكتابة أن تنظر إلى التفاصيل والخفايا الموجودة في الواقع وإلى ما يحركه، وأن تنظر إليه بمجمله، فالكتابة فعل مقرون بالمسؤولية بالدرجة الأولى، وكل كلمة تصدر عنّا يجب أن نتمثلها فكراً وسلوكاً لتكون تعبيراً حقيقياً عن مكنوناتنا وأفكارنا، فإن لم تكن كتابتنا مرآة صادقة لذواتنا فإن كل ما نسطره على الورق يحتاج منّا لوقفة نراجع من خلالها أنفسنا ونتاجنا، لتعكس كتابتنا صدقنا وتوافقنا مع واقعنا وما نفكر ونعيش.
اليوم ونحن نحتفل بإيقاد الشمعة الرابعة والسبعين لجريدتنا ومنبرنا الأغلى “البعث”، يزهر الحلم بمولود جديد يحمل الأمل باخضرار الروح ليمثل امتداداً لمشوار العطاء، نحتفل بولادة مجلة “البعث الأسبوعية” التي نتمنى أن تكون بستاناً وارفاً من بهاء الأفكار والرؤى التي تتمثل أدبيات البعث وتطلعات الناس وآمالهم، وأن تكون الناطق باسمهم.
إنه الحلم الذي غيّر من ملامحي الكثير وأشعل في قلبي بيدر الأحلام، ودفع بريح شفيف إلى ليالكي البرية وغمسها في رطوبة غمامة.. أيقظ فيّ حساً كنت أظنه قد مضى، أيقظه كما طفل استيقظ متأخراً عن حصته المدرسية الأولى، لكنه أحياناً يباغتني كما التراب يفاجئه المطر الأول للخريف، يحيله إلى كرات دافئة من غضار، فلا هو استحال طيناً ولا بقي ذرات جافة متناثرة من غبار، هو بين حالتين، بين بوح راعش واستكانة، ينوء بالكلام همساً، وبالإعلان عن حروفه الملونة، فلا يأتي البوح ملوناً، ولا هو صمت، فاجأته لغة من لهب تتراقص حروفها في الاتجاهات، كما خطوه المتقافز بين المد والإدغام، ليس ينتظر، وينتظر كثيراً.
قد يكون متلعثماً هذا النطق بالحالة، ربما لم يجد وقتها لغة توائمه، بدا كعصفور أطبقت عليه سحابة وتاه عن عشه، لكن ما يعنيني الآن وجودي في هذه الصحيفة التي تزداد ألقاً وزهواً، بحضور أصدقاء وزملاء رافقوني في عملي منهم من غادرنا ورحل إلى عالم آخر، ومنهم من اختار أن يكون في مجال آخر، وقسم منهم مازالوا يرافقوني في نسج الحلم بأطيافه الملونة ويتقاسمون معي رغيف الحياة بكل نكهاتها.. معهم أنا أقوى، لأنهم أسرتي التي أحب.
هو الحلم في ربيعه الحالم يشع من هذا المنبر الغالي الذي منحني فرصة أن أعبّر من خلاله عن نفسي وأفكاري وانتمائي، وأن يكون وسيلتي للتواصل مع الآخرين، والأمل كبير أن يكون حلمنا الجديد “البعث الأسبوعية” مسيرة من العطاء مع أقلام تنبض بالحياة والحب.
كل عام وأسرتي في جريدتي البعث، من مدراء وزملاء وأصدقاء بكامل ألقهم وعطائهم، وكل عام وأنتم الأمل المشرق الذي مازال يؤلق روحي بالحبور.