ترامب والحرب الأهلية الثانية
ربما من المرات النادرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية أن يخرج رئيس ويهدّد بحرب أهلية أو البقاء مدى الحياة في الحكم في حال تمّ اتخاذ قرار ما بحقه، فدونالد ترامب، ومنذ وصوله غير المتوقّع إلى الكرسي البيضاوي ولغاية اليوم، يثير الريبة والشكوك حول مستقبل أمريكا وموقعها في العالم، وهو لا ينفك يتوعّد كل من يحاول المساس به في أي قضية تتوجه فيها أصابع الاتهام نحوه، ولو كان ذلك من بوابة الحملات الانتخابية وما يجري خلالها بين المتنافسين، فخروج المظاهرات ضد مقتل جورج فلويد مدبّر ومرتب وهناك أصابع أجنبية تحرّكها، وكورونا وتفشيه سببه خارجي ولا علاقة لفشل إدارته في انتشاره الهائل والمتواصل، والأهم لو فاز منافسه جون بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة “سيؤدي إلى انهيار سوق الأوراق المالية”، إذاً لا مفر من بقائه في البيت الأبيض وإلا الفوضى والحرب الأهلية.
لقد مارس ترامب خلال سنوات حكمه نوعاً غير مألوف من التعامل في جميع القضايا التي تُعرض عليه يومياً باعتراف كل المسؤولين الذين عملوا معه، والذي كان آخرهم مستشاره للأمن القومي جون بولتون، الذي قال: “ترامب إنسان غريب الأطوار ودائم الشكوك”، ومن هنا فقد خرج من اتفاقيات ومعاهدات وأمر بقصف دول وبفرض عقوبات على أخرى، فقط لأنه يريد ذلك، وهو اليوم في إدارته لأهم ملفين داخليين واجهها منذ توليه الحكم “المظاهرات ضد العنصرية- ووباء كورونا” تعامل من منطقه الخاص بالربح والخسارة، فهو لم يمد يده إلى المتظاهرين لمعاقبة الشرطة الذين أذنبوا بل على العكس اتهمهم بالعمالة والإرهاب الداخلي وارتباطهم بمنظمات محظورة، فما كان إلا ازدادت المظاهرات، والمجتمع بات ينقسم أكثر فأكثر بين متطرف يمني وآخر يساري، وبتعبير أدق كما قال جيمس ماتيس وزير دفاعه المستقيل: ” ترامب قسّم الشعب الأمريكي، وفشل في قيادة البلاد بشكل حكيم”، وفي مسألة تفشي كورونا فقد أبان عن طريقة مليئة بالسخرية والاستهتار بحياة الناس: من الدعوة إلى شرب المعقمات، ثم الإعلان عن إنتاج أدوية غير موجودة بالأصل، والأخطر كان إيقاف عمليات الكشف عن الفيروس لأن إجرائها يعني اكتشاف المزيد من الحالات!!، والنتيجة اليوم ولايات كبرى ككاليفونيا تئن تحت وطأة انتشار المرض، فهل بالفعل يسعى إلى الفوضى؟.
في الخامس من أيار الماضي أعلنت ولاية كاليفورنيا بأن الاقتراع في انتخابات تشرين الأول الرئاسية سيكون لجميع الناخبين المسجلين عبر البريد كنتيجة لجائحة فيروس كورونا، قرار دق ناقوس الخطر لدى الحزبين المتنافسين الديمقراطيين والجمهوريين، وإن كان ترامب الأكثر هلعاً من هذا الإجراء رغم وجود الكثير من الولايات التي تعتمد هذا الأسلوب منذ مدة، ولذلك قال: “إن التصويت بالبريد يدعو إلى تزوير الناخبين وربما يفيد الديمقراطيين”، ولكن وجد في هذه القضية فرصة لالتقاط الأنفاس وشن هجوم مضاد على خصومه الديمقراطيين، والتشكيك منذ الآن بنتائج الانتخابات المقبلة، ولكن هل يسلم الديمقراطيين بذلك، بالتأكيد لا؟.
وعليه يمكن القول: إن نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون جوهرية في معرفة المصير الذي ستؤول إليه الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأربعة المقبلة، ففوز ترامب يعني الاستمرار في النهج الشعبوي والعنصري الذي يرسمه، وخسارته وعدم التسليم بنتائجها قد تؤدي، كما قال المرشح الديمقراطي بايدن، إلى تدخل الجيش لإبعاد ترامب عن الحكم، فهل نكون أمام مشهد اشتعال الحرب الأمريكية الأهلية الثانية؟.
سنان حسن