هوس صناعة الجمال
يقول الفيلسوف أوشو: عندما ترى الجمال في الحياة، فإن القبح يختفي.. لا تجتمع جنة ونار، ولديك الخيار”، فالإنسان يبحث دائماً عن التجديد والتغيير باعتبار الطبيعة البشرية ملولة، لذلك لا بد أن يكون على تواصل بشغف عن كل ما يثير فضوله، وهو تلقائياً في حالة تطور مستمر حتى في أسلوب التعامل والتغيير، والملفت للنظر الظاهرة الأكثر انتشاراً –والتي يعتبرها الجيل الجديد الأكثر تطوراً- في تغيير الشكل الخارجي بطريقة تصل لحد الجنون، قد يدفع صاحب أو صاحبة التغيير لارتكاب أفعال مجنونة أو غير منطقية، وإذا زدنا على ذلك الرغبة في لفت الأنظار حول هذا التطور سنجد أنفسنا أمام توليفات من أشخاص غريبي الأطوار، وخاصة جيل الشباب الجديد في مقتبل العمر الذي أصبح الهاجس الأكبر والأهم لديهم هو تقليد الفنانات والفنانين من حيث الشكل الخارجي سواء في الأزياء وقصات ولون الشعر وطريقة المكياج.
ولطالما قرأنا الكثير من الأخبار تحت تصنيف المنوعات بأن مشاهير العالم يحظون بملايين المعجبين والمتابعين، ووصل الأمر إلى حد الهوس لدى البعض مما دفعهم للخضوع لعمليات “تجميل” بمليارات الدولارات للتشبه بمن يحبون، فحبهم وعشقهم لهم يجعلهم يقضون معظم وقتهم عند أطباء التجميل متنقلين من عيادة إلى أخرى علّ أحدهم يظهرهم وكأنهم التوءم لأولئك المشاهير.
في الحقيقة لم تقتصر هذه العمليات على ضحايا الجمال فقط، وإنما طالت منذ زمن الفنانات اللواتي لم تعد الواحدة منهن تطل بذات المظهر في كل عام وإنما تختار إطلالة جديدة معتمدة على البوتوكس والنفخ وأحدث صيحات الجمال.
التجميل أصبح كفن لصناعة جمال، والجراحة التجميلية تجرى لأغراض وظيفية أو جمالية، هي بالمفهوم البسيط استعادة التناسق والتوازن لجزء من أجزاء الجسم عن طريق استعادة مقاييس الجمال المناسبة لهذا الجزء، ولكن القناعات تغيرت ولم تعد مقاييس الجمال الطبيعية هي الراجحة في ميزان الجمال، وإنما مَن ابتعد عن عمليات التجميل لا يعد في مضمار وسباق الجمال بالأصل، والفنانة التي تتعايش مع وجهها الطبيعي وتخفف من عقدة النقص تجاه الجمال تحاول التأقلم مع هبات الحياة بهذا التميز.
بالعودة إلى الدراما القديمة التي تعرضها إحدى الفضائيات الآن، نرى البساطة في الوجوه والبراءة في النظرات دون أن يدوخ المشاهد من اكتشاف ماذا يمكن أن تكون هذه الممثلة قد صنعت لتظهر بهذا الجمال. أما اليوم فنحن أمام ظاهرة ترتسم ملامحها عبر المبالغة في إجراء عمليات التجميل وحقن كميات إضافية من الفيلر والبوتوكس انعكست بشكل سلبي على أصحابها. والسؤال هنا ما المبرر لكل هذا التجميل؟ هل المطلوب أصبح إبراز مفاتن وجمال الشخصية أم فعلها وما تقصه حكايتها؟ ألا يكون الجانب الأقرب إلى الإقناع هو اللجوء إلى الطبيعة مع مكياج يتناسب مع حقيقة كل مشهد.
هل يمكن أن تكون حالة إزميرالدا الغجرية الحسناء -التي أحبت في كوازيمودو الأحدب رغم قبحه- في رواية أحدب نوتردام لفيكتور هوغو علاجاً ما لحالة الهوس التي تطارد الرغبة في الحصول على الجمال المصطنع، أين لنا أن نحصل على رضا روح وقناعة قلب تلك الغجرية الجميلة؟.
ويتبادر إلى الذهن أيضاً سؤالاً منطقياً، هل هذا الهوس – الذي من الممكن أن نسميه “اضطراباً” ويعاني منه الكثيرون – هو لأن الشكل الخارجي لأي مهووس غير مقبول ما يضطره للجوء إلى التشوه؟ أم أن الشهرة وما يظهر على الشاشة وتحت الأضواء اللامعة في المسارح هو الأجمل من وجهة نظر هؤلاء؟ الأشخاص الذين يبحثون عن التغيير في الشكل الخارجي عن طريق التقليد التجميلي – حسب مصطلحات المتجملين – هم بالفعل مرضى نفسيين وغير قادرين على التكيف مع أنفسهم ولا يتقبلون ذواتهم، مع أن الهدف الأساسي من هذه العمليات منذ بداية انتشارها هو تحسين ما يمكن أن ينتج عن ضرر للأشخاص الذين تعرضوا لحادث أو تشوه ما أو عيب خلقي، ولكنها تطورت بسرعة البرق ليصبح فيما بعد انتشارها كنوع من الرفاهية الطبية لأشخاص أصحاء رغبوا في تجميل مكان ما وتصغير أو تكبير، والخضوع لإبر الحقن بوتوكس وفيلر وكل ما شابه ذلك، ونحن هنا لسنا بصدد القول أنها غير ضرورية بل القليل منها يمكن أن يصنع الجمال والكثير منها للأسف يصنع عكس الجمال المنشود.
جُمان بركات