أردوغان.. الأحلام العثمانية بأدوات إرهابية
ريناس إبراهيم
قرابة مئة عام مرّت على سقوط السلطنة العثمانية، لكن أوهامها لاتزال حيّة حتى الآن، وها هو رجب طيب أردوغان، رئيس النظام التركي، يجسّدها في كل تصريح وكل موقف وتحرك، محاولاً استعادة أمجاد العثمانية المندثرة.
منذ استلامه سدّة الرئاسة، يحاول أردوغان استغلال كلّ الطرق لتصدّر المشهد والانخراط في أيّ دور على المستوى الدولي والإقليمي، لينتقل إلى مرحلة جديدة من لعب الأدوار، محاولاً تقديم نفسه بصورة “الخليفة” المسلم، وتشهد قمة كوالالمبور (ماليزيا) على ذلك، إذ كان ينتظر منها أن تنصّبه “زعيماً وقائداً” للعالم الإسلامي!
لم يكفّ أردوغان خلال السنوات الفائتة عن التدخل هنا وهناك في قضايا الدول الأخرى، ومؤخراً حدثت مفارقة عجيبة، بطلها الاستعراض الأردوغاني، فبينما يرزح الشعب التركي تحت ضغوطات تفشي فيروس كورونا المستجدّ، ويعاني ضعف الإجراءات المناسبة لمكافحة تفشيه، “وضّب” أردوغان مستلزمات الوقاية وأرسل طائرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمحاباة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكسب تأييده في قضايا دولية أخرى أكثر أهمية بالنسبة لـ”السلطان الجديد”.
أفريقيا إلى أولويات السياسة!
في بحث نُشِر تحت عنوان “سياسات التغلغل: دوافع أردوغان لإحياء “العثمانية الجديدة” في أفريقيا”، أكد الباحث حمدي عبد الرحمن أن أردوغان يقتفي أثر أسلافه العثمانيين ويتبنّى تنفيذ سياسات “انفتاح” على أفريقيا، إذ أعلن عام 2005 “عاماً أفريقياً”، وزار دولاً إفريقية عديدة. وفي عام 2008، عُقدت قمة التعاون التركية الأفريقية في إسطنبول، لتعزيز العلاقات الاقتصادية، لكن سرعان ما سقط القناع وانكشفت خطط “السلطان”، حيث استغل مناخ الحرب الأهلية وقام بافتتاح قاعدة عسكرية في الصومال عام 2017. كما وقّعت تركيا مع السودان في عهد الرئيس عمر البشير عقد إيجار لميناء سواكن، جزيرة سودانية في البحر الأحمر، بادّعاء إعادة تطويره كمنتجع سياحي بتمويل قطري، لكن الخفيّ كان سعي أنقرة لتطويق مصر التي تعاديها.
ابتزاز سياسي
لم يستنفد أردوغان أي جهد للالتحاق بالمنظومة الأوروبية، واستغلّ كافة الفرص لمحاولة إقناع الأوروبيين، وصولاً إلى وقاحة ابتزازهم سياسياً في قضايا عديدة، كان ملف اللاجئين والمهاجرين أكثرها استفزازاً، حيث هدّد أردوغان بفتح الحدود مع أوروبا أمام اللاجئين في حال عدم تقديمها المزيد من التمويل والدعم، مخالفاً بذلك اتفاق الهجرة الموقّع عام 2016.
ومنذ تولي حزبه السلطة، يبتزّ أردوغان العرب والمسلمين حول العالم بادّعائه دعم الفلسطينيين ونضالهم ضد العدو الإسرائيلي، ويستنفر مشاعرهم في كل المناسبات محاولةً لإحياء العصبيات وتغذية الانتماءات القومية، وذلك كلّه يصبّ في جهوده لبناء تنظيمات متطرّفة تنشر القتل والخراب في العالم.
المنطقة العربية
ليس موضع شكّ أن التنظيمات الإرهابية التي شكّلها أردوغان ورعاها، ولايزال، هي امتداد للتنظيمات التي سبق وكانت قطر أبرز رعاتها، وفي المقدمة منها تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي عاث فساداً حول العالم، وتبنى عمليات إرهابية أبرزها مهاجمة مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، وكذلك هجمات 11 أيلول. إذاً، سلّمت قطر بذلك راية الإرهاب لتركيا وبقيت أبرز حلفائها.
يمكن القول إن كل خطوات أردوغان وسياساته تندرج تحت هدف إرضاءإسرائيل ومحاصرة الدول المعادية للسياسات الأمريكية في المنطقة، وأبرز شاهد على ذلك علاقاته مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يشكل الخطر الأول والأكبر للمنطقة العربية، إذ يحافظ على علاقات ممتازة مع قادة الاحتلال ولا يفوّت فرصة في محاباتهم والتقرب منهم، إضافةً إلى انتقاله للاعتداء المباشر على الأراضي السورية والعراقية، ونشر الإرهابيين والمرتزقة في المناطق الشمالية، مستهدفاً تقويض الأمن والاستقرار فيها، حالماً بإعادة أزمان العثمانية الآفلة.
كما إن علاقاته مع الدول الأفريقية ما هي إلا محاولة لمحاصرة ليبيا، وفرض إرادة تركية على مجريات الأحداث، علاوة على التدخل السافر المباشر في دعم ما تسمى “حكومة الوفاق” ومدّها بالسلاح والعتاد والمقاتلين من المرتزقة الإرهابيين، في مواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
متاجرة بالقضية الفلسطينية
تاجر أردوغان بالقضية الفلسطينية لتهييج مشاعر المسلمين واللعب عليها، وبالتالي حشد أصواتهم عند الانتخابات وضمان تأييدهم، مستغلاً المكانة الدينية الحضارية والتاريخية لفلسطين لدى المسلمين.
عام 1949، كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بـ “إسرائيل”. لم يتراجع أردوغان عن ذاك الاعتراف، بل إنه نال جائزة الشجاعة اليهودية، بينما كان يهاجم “إسرائيل” أمام الكاميرات، وفيما كان يهدّد “إسرائيل” بيد كان يمدّ يده الأخرى لمصافحة قتلة الشعب الفلسطيني.
محطّات تاريخية وثقتها كاميرات الصحافة وأقلامها، وحقائق تثبت علاقات أردوغان ونظامه القوية بكيان الاحتلال. ففي عام 2005، زار أردوغان القدس، والتقى آرييل شارون، ونقلت الكاميرا ابتسامته حين قال شارون: “مرحباً بك في القدس عاصمتنا الأبدية”. وعام 2016، وقع اتفاق تطبيع للعلاقات مع “إسرائيل”.
قبل نحو سنتين، ظنّ العرب والمسلمون أن أردوغان سيشنّ حرباً كبرى ضدّ “إسرائيل”، وسيقيم الدنيا ولن يقعدها، إذ خرج على الشاشات، عندما أقر ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ليهدّد “إسرائيل” ويصفها بـ “دولة إرهابية”، قبل أن يكتشف العالم أن شركات تركية لها علاقة بنجل أردوغان متورّطة في تشييد بناء السفارة الأمريكية في القدس!
وإرضاءً لنظريات الاقتصاد السياسي القائلة بأن الاقتصاد يحكم العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، فإنّ الأرقام تتحدث عن علاقات الاقتصادية وتجارية وعسكرية ممتازة بين تركيا و”إسرائيل”، إذ تقول الإحصائيات “إنّ حجم التبادل التجاري بين الجانبين بلغ 5.8 8 مليار دولار”، علماً أنه كان أكثر بقليل من مليار دولار فقط عندما قدم أردوغان إلى الحكم!
أضغاث أحلام!
إذاً، حلم أردوغان هو الحصول على دور أوروبي إسلامي شرق أوسطي في آن واحد، والأداة: دعم التنظيمات الإرهابية، ودغدغة مشاعر المسلمين والعزف على وتر الانتماء الطائفي في كل ما يقوم به، لكن الواضح أن أردوغان سيقع في شرّ أعماله، ولا سيما مع انكشاف مخططاته وعدم صلاحيته للتحالف مع أي دولة، كما تثبت الوقائع.
يضاف إلى ذلك أن أردوغان وفي غمار بحثه عن هذا الدور، أغفل الانتقادات الداخلية التي يتعرض لها، وتصاعد الأصوات المعارضة له وتدهور شعبيته، ولا سيما مع ضلوعه في زعزعة الاقتصاد التركي الذي بات على شفا الانهيار، إذ هوت الليرة التركية لتفقد 16% من قيمتها منذ بداية العام فقط، إضافةً إلى مسؤوليته عن تحويل تركيا إلى “زنزانة كبيرة”، بتأكيد منظمات وجهات حقوقية دولية، حيث يتّخذ من محاولة الانقلاب عام 2016 شمّاعة لملاحقة معارضيه والقضاء عليهم بتهمة “العداء للأمة والدولة التركية”.