الزراعة هي الحامل الأهم والضامن الرئيسي للأمن الغذائي.. ولا مفر لنا من العودة إليها
دمشق – ديانا رسوق
يبدو أن ما نعيشه من ظرف قاسٍ لم تعد تخفى تداعياته على أحد، سواء لجهة العقوبات التي تزداد حدّة، أم لجهة شراسة الحرب بعد مضي عقد على الأزمة، يضعنا أمام فرصة ذهبية للاعتماد على الذات، فالمحن عادة ما تكون الدافع الرئيسي للنهوض ونفض غبار الكوارث، والأمثلة حاضرة بتاريخ الأمم، فاليابان تصدّرت العالم بالتكنولوجيا بعد أن سحقتها الحرب العالمية الثانية، وألمانيا أضحت أهم دولة صناعية إثر خروجها مدمّرةً من هذه الحرب.
وإذا ما أسقطنا إمكانية تطبيق هذه التجارب على واقع اقتصادنا الوطني، ومحاولة البحث عن المقومات الكفيلة بالاعتماد على الذات، نجد أن القطاع الزراعي يتصدّر القائمة، فهو الأكثر زخماً بهذه المقومات (المساحات الزراعية– اليد العاملة الخبيرة– المناخ المناسب.. إلخ).
لن نخوض بالحديث عن تفعيل باقي القطاعات الأخرى لتعزيز مبدأ الاعتماد على الذات، وسنكتفي بتناول القطاع الزراعي نظراً لأهميته القصوى بمسألة الأمن الغذائي. ونذكّر هنا بأن هذا القطاع –ربما- كان القطاع شبه الوحيد الذي استمر بالإنتاج طيلة سنوات الأزمة، ما يستوجب بالضرورة من وزارة الزراعة عدم ادخار أي جهد لتعزيز نموه، من خلال اعتماد إستراتيجيات واتخاذ إجراءات تضمن الارتقاء بإنتاج هذا القطاع، ومواءمته مع نظيره الصناعي عبر إحداث سلسلة من العناقيد الصناعية لإنتاج الصناعات الغذائية.
تصنّف سورية من الدول الزراعية، خاصة بما تنتجه من المحاصيل الإستراتيجية التي تشكّل بالفعل ورقة رابحة بيد صنّاع القرار، كونها تجنبهم الكثير من الضغوط الخارجية؛ ومع ذلك، تواجه السياسة الزراعية كثيراً من الانتقادات التي تصفها تارة بالمتخبطة والعشوائية على اعتبار عدم وجود خطة زراعية واضحة تلزم المزارعين باعتمادها وتطبيقها كما يجب، وتارة أخرى بالمزاجية كون القائمين عليها لا يحدّدون أهدافاً تكتيكية وإستراتيجية تمكنهم من تحقيق الاحتياجات الحقيقية من المنتجات الزراعية للبلد، ولاسيما في ظل تناقص الموارد المائية، حيث هناك الكثير من المحاصيل التي تستنزف هذه الثروة دون وجود خطة أو برنامج يحدّدان آلية لاستغلال الموارد المائية بشكل أمثل، وبما يحقّق الجدوى الاقتصادية المطلوبة.
وفي هذا السياق، يوضح مدير التخطيط في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، هيثم حيدر، لـ”البعث” أن ما تقوم عليه إستراتيجية الوزارة لتحقيق الأمن الغذائي يتمثّل بدعم المدخلات والمخرجات، والاعتماد على البحث العلمي الزراعي لزيادة الإنتاجية في وحدة المساحة، إضافة إلى التوسّع في المساحات المروية، مبيناً أن هذه العوامل ساهمت بالانتقال من الندرة إلى الوفرة، وفي تحقيق الاكتفاء الذاتي لأغلب المحاصيل الزراعية وضمان الأمن الغذائي.
وأكد حيدر أن السياسات الزراعية المطبقة في سورية لتحقيق الأمن الغذائي ركزت على تحقيق مساهمة فعّالة للقطاع الزراعي في إجمالي الناتج المحلي، وفي الاستقرار الاقتصادي من خلال زيادة الإنتاج، وتوفير المزيد من فرص العمل، وزيادة معدلات الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسية، وتضييق الفجوة الغذائية، وتنمية الصادرات وإقلال الواردات، إضافة إلى السعي لتحقيق التكامل بين القطاع الزراعي والقطاعات الاقتصادية الأخرى، وذلك على مستوى تكامل المدخلات وتكامل الإنتاج، بحيث يوفر القطاع الزراعي نسبة مهمة من المدخلات والمواد الخام لقطاع الصناعة، وتكثيف استعمال الزراعة للمنتجات الصناعية كالآلات والأسمدة.
وأكد حيدر أن الوزارة تعمل بكامل طاقاتها للنهوض بهذا القطاع وتطويره، واتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من الآثار السلبية من خلال البرامج والسياسات الداعمة كبرنامج ترميم قطيع الثروة الحيوانية، وإعادة النهوض بمحاصيل القمح والقطن والزيتون، وإعادة تأهيل المشروع الوطني لإكثار البذار، وتطوير وتنمية منطقة الغاب، إضافة إلى برامج التنمية الريفية (الزراعات الأسرية- تربية الدجاج البياض- نشر الزراعات السمكية)، لافتاً إلى أن المبادرات الحكومية في مجال الزراعة تمثّلت بتحقيق مجموعة أهداف أبرزها زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي، وضمان توفر المواد الغذائية الأساسية لتغطية الاحتياج المحلي، وضمان استدامة الموارد الطبيعية واستخدامها الرشيد وحمايتها من التدهور والاستخدام الجائر، وتخفيض الفقر من خلال التنمية الريفية الشاملة التي تحسّن دخل المنتجين.