الهواجس المشروعة تلقي بظلالها على استئناس اللاذقية
مروان حويجة
لعلّ قراءة سريعة في أسماء الرفاق الذين تقدموا للاستئناس تكشف النسبة الكبيرة من أسماء لاتنفكّ تقحم نفسها في الانتخابات وكأنها فرض عين وأمر واقع لا مفر منه في الطريق إلى البرلمان. ومن تابع أعمال استئناس اللاذقية، الذي سجّل نجاحاً تنظيمياً في سيرورته، يُصدم بنفس الوجوه التي باتت ممجوجة ومنبوذة من الوسط البعثي والشارع اللاذقاني بكل شرائحه وتوجهاته وانتماءاته. ومن الطبيعي أن يكون لسان حال الكثيرين: قيمة الاستئناس تكمن في معجزة التجديد المنشود، وهذا ما نرنو إليه لأن تكرار سيناريو الاستحقاقات الماضية يعني أننا أمام انتكاسة جديدة وخيبة أمل جديدة.
ويتساءل الكثيرون: لماذا هذا الإصرار من الغرباء عن المواطن وقضاياه على كسب الرهان الانتخابي لمجرد شغل مقعد تحت قبة المجلس دون أن تشغلهم أحوال الناس وقضاياهم، وهو ما يفاقم احتقان الناس وشعورهم بالاستفزاز؟! ومن المفارقات المثيرة أن يكون الاستنفار الإعلاني الانتخابي عند شاغلي مقاعد دورتين وأكثر في المجلس أضعافاً مضاعفة عن أي مرشح جديد، ما يفتح باب التساؤلات على ضحالة الرصيد المجتمعي والشعبي لهم، ولو أنهم كانوا على قدر هذه المسؤولية الوطنية بين الناس بأعمالهم وخدماتهم لما احتاجوا كل هذا النفير الإعلاني والترويجي لكسب ود الناخبين!!
وقد شابَ الاستئناس شغب وكلاء مثل هؤلاء المرشحين الذين دخلوا صالة الاستئناس بشكل مخالف، وبالرغم من إخراجهم مرات عدة إلا أنهم لم ينكفئوا، وأعادوا الكرّة غير مرّة؛ ولدى سؤال أكثر من رفيق رفيقة من الناخبين من ريف المحافظة لم يخفوا حقيقة جهلهم التام بمعظم المرشحين، ما عدا مرشحي شعبتهم الحزبية، واستهجنوا ذهاب أصواتهم لمرشحين لا يعرفونهم حتى اسماً، ويرون أنه كان من الواجب أن يتواصل المرشحون مع كل الجهاز الحزبي والوسط المجتمعي ببرامج انتخابية، لكن هذه البرامج كانت غائبة تماماً، واعتبرها البعض حلقة مفقودة ونقطة ضعف، لأن المرشحين الناجحين في الاستئناس هم من سيمثل البعث في الانتخابات، فلماذا لا يقدمون للجهاز الحزبي على كامل أرجاء المحافظة برامج عمل تعرّف بهم وبتوجهاتهم وأولوياتهم.
وفيما يعتبر آخرون أن العودة الحقيقية إلى التمثيل الفعلي للطبقة الكادحة ضرورية وليست مستعصية، وتكون بتقديم كشوفات عن ممتلكات كل بعثي يريد ترشيح نفسه لتمثيل الحزب تحت قبة مجلس الشعب، ويمكن بالتنسيق مع وزارة المالية الاستعلام عن الأموال المنقولة وغير المنقولة للمرشحين، وأن يستبعد من عملية الاستئناس الحزبي أصحاب الثروات بحيث يكون ممثلو البعث ممثلين حقيقيين للطبقة الكادحة. وعندما كنتُ أهمُ بإجراء لقاء مع أحد الرفاق الناخبين، خرج عن طوره بانفعال شديد قائلاً: ما جدوى الاستئناس عندما يقوم رفاق في مواقع المهمة الحزبية بدعاية انتخابية في الاستئناس لمرشحين أتخمتهم المواقع والمهام، ويطلبون منّا التصويت لهم!! وصرخ قائلاً: هل هذا هو الاستئناس الذي أرادته وقررته قيادة الحزب؟! وانسحب من اللقاء غاضباً.
واستهجن بعض الناخبين وجود قصاصات ورقية مطبوعة يتداولها وكلاء خارج وداخل صالة الاستئناس، واعتبروها خللاً وضعفاً وأمراً مخجلاً، لأن الرفيق البعثي الذي يترشح للاستئناس لا يليق به تعريف الجهاز الحزبي بنفسه، بل يفترض أن يكون معروفاً مسبقاً بحضوره ودوره وسلوكه وأعماله، والأهم من ذلك تواصله مع رفاقه!
ولكن هناك سؤالاً بالغ الأهمية تردد على ألسنة الكثيرين من البعثيين، وغيرهم من الشارع السوري: ألم يكن ممكناً ومتاحا تصويب المسار الديمقراطي في انتخابات الاستئناس الحزبي قبل بدايتها، بما يحقق طموحات جماهير الحزب وتطلعاتها نحو انتخابات تفرز أفضل الخيارات بكل المعايير والمقاييس والاعتبارات؟ لقد كان بالإمكان اعتماد أسس وضوابط تكفل منح الفرص للدماء الجديدة والمرشحين الأجدر والأقدر على تمثيل البعث والشعب في البرلمان، وهذا ليس متعذراً، ولا مستحيلاً، بل في المتناول تماماً عبر اعتماد ضوابط تنظيمية تكبح تكرار الوجوه والأسماء التي باتت عبئاً حقيقياً على الحزب والشعب؛ وكان ممكنا أيضاً توسيع حزمة المعايير بما يخدم النوعية، وهذا حق أساسي للحزب على أعضائه انطلاقاً من حرصه على قطع الطريق على الانتهازيين والوصوليين وضمان وصول الصفوة من الرفاق المرشحين.
ولعل هذا كله يجعل من تدخل القيادة ضرورة حتمية لتصويب البوصلة الانتخابية بما يعزز دور الحزب وموقعه، وبما يدعم ثقة البعثيين بحزبهم دون أن تنال الأمراض الاجتماعية والمحسوبيات الشخصية والاعتبارات الضيّقة من أهمية وسلامة وسلاسة العملية الانتخابية التي تشكل الترياق الضروري للنهوض المستمر بمسيرة عمل الحزب.