يدخلن حوامل ويخرجن على محفات الموت.. ماذا يحدث في مشفى التوليد “التخصصي” بدمشق!؟
دمشق – لينا عدرة
كانت حالات موت النساء الحوامل تتكرر في العصور الوسطى بسبب الجهل، والاتكال في التوليد على “شطارة الداية”، ولكن مع التقدم العلمي الطبي الحاصل على كل المستويات، لاسيما في هذا الاختصاص، انخفضت أعداد الأمهات اللواتي يفقدن حياتهن خلال عمليات الولادة بشكل ملحوظ، بل كادت تصل إلى الصفر إلا لأسباب استثنائية، أو في المجتمعات المتخلّفة والبدائية، حيث تغيب المشافي، وتنعدم أدنى درجات العناية الصحية بالأم، لذلك من غير المفهوم، مثلاً، أن يتم تسجيل أربع وفيات، منها ثلاث سيدات شابات دخلن حوامل ليغادرن على المحفة، فيما لم تتجاوز الرابعة الـ 16 من عمرها دخلت لإجراء جراحة تجميلية لتخرج بإنتان وقصور أعضاء، وتتوفى بعد أيام من إحالتها إلى مشفى آخر، كل ذلك خلال أقل من عشرين يوماً، (أول حالة وفاة كانت في 14/6/2020، وآخر حالة كانت في 5 تموز 2020)، وكل ذلك في مشفى “تخصصي”، كما كتب على مدخله، هو مشفى التوليد وأمراض النساء الجامعي في قلب دمشق، ما يسجل سابقة لم تحدث من قبل، فمن المسؤول؟ وأين إدارة المشفى؟ وأين وزارة التعليم العالي مما حدث ويحدث؟.
توجّهنا بالسؤال عن أسباب ذلك للأستاذ للدكتور عزام أبو طوق، رئيس قسم التوليد وأمراض النساء، الذي تطوّع للإجابة عبر الهاتف من غرفة العناية المشددة في أحد المشافي، حيث يعمل “خارج أوقات دوامه الرسمي”، ليوضح أن هذه القضية “مو شغلة الإعلام”، وأن طلاب الدراسات الذين يفترض أنه يشرف على عملهم هم “أشطر” من الطبيبة التي كانت تتابع حالة المريضة قبل دخولها مشفى التوليد، وأنهم- أي طلاب الدراسات- يستطيعون إجراء العمليات بنجاح كامل بغياب الأستاذ المشرف، أما بالنسبة لقضية عدم تواجد الأستاذ أثناء مناوبته، فهذا أمر غير مخالف للأنظمة، قبل أن يضيف باستخفاف وصلف كاملين: “روحي اسألي وزير التعليم، الجواب عنده!.. تلك كانت كامل إجابته؟!.
الدكتورة ميادة رومية، المديرة المكلّفة بتسيير أعمال مشفى التوليد، أجابت عن تساؤلات “البعث” حيال واقعة الوفيات الأربع، قائلة: إن هذا الموضوع بالتحديد هو من اختصاص الأساتذة الذين أجروا العمليات للسيدات الأربع، فـ “كل أستاذ مسؤول عن مرضاه، هو المسؤول والمعني، وهو من يستطيع أن يفسر ما حدث”، مضيفة بشيء من التبرير: “السيدات اللواتي توفين هن مريضات عاليات الخطورة، سوابق قيصريات”، وما يحدث- تستطرد- هو أن “الأستاذ يتابع الحالة على الهاتف” عن طريق طلاب الدراسات، حيث تبقى المريضة تحت المراقبة حتى يحين موعد دخولها إلى العملية.
ولدى سؤالها عن دور الإدارة وموقفها مما حصل، وما هو الإجراء الذي يفترض اتخاذه في هذه الحالة؟ أوضحت د. رومية أنها رفعت كتاباً للوزارة (التعليم العالي)، أوردت فيه حدوث الوفيات، والوزارة بدورها ستقوم بتشكيل لجنة تحقيق بالأسباب التي أدت إلى حدوث الوفاة، وعندها، حسب تقرير اللجنة، سوف يتم توزيع المسؤوليات.
ولدى الاستفسار عن سبب عدم تواجد الأستاذ المناوب خلال إجراء العمليات، أكدت أنها هي شخصياً تنام في المشفى أثناء المناوبة، ولكن ليس من الضروري أن ينام الأستاذ المناوب في المشفى، ولا أن يتواجد خلال العملية، على أن يبقى طلاب الدراسات على تواصل معه عبر الهاتف، وكل ذلك بموجب قرار قضائي صدر منذ 15 سنة!.. “وإذا كانت هناك من ضرورة لتواجده فهو سيحضر خلال عشر دقائق كحد أقصى، فالمشفى قريب!”، على حد قولها.
أما عن عمل الشركة الموكلة بالتعقيم في المشفى، فأفادت د. رومية أن الشركة المتعاقد معها بدأت عملها في المشفى منذ 20 يوماً تقريباً، ولم تصل أية شكاوى عن عملها، رغم أنها- أي المديرة- وجهت يوم الأربعاء 8 تموز إنذاراً للشركة، وتضيف: “توجد لجنة تشرف على عمل الشركة وترفع لها الملاحظات بخصوص جودة عملها، على أن يتم تقييم عمل الشركة خلال 3 أشهر من بدء تنفيذ العقد، بل يمكن فسخ العقد حتى قبل انتهاء الأشهر الثلاثة في حال لم يتم الالتزام بالشروط، أو لم يتم استدراك الأخطاء في حال وجدت، وهي- أي د. رومية- “لا تتساهل أبداً في هذا الموضوع”، رغم أن هناك معلومات كثيرة تفيد بوجود العديد من الشكاوى الخطية التي قدمت للإدارة عن عمل الشركة، ويبقى السؤال: إذا لم تصل أية شكاوى، فلماذا تم توجيه إنذار؟!.
إمكانية مهدورة!
هو مشفى تخصصي يعمل بأدنى طاقاته، حيث لا جراحة تنظيرية حقيقية، وقسم طفل الأنبوب مغلق منذ عشر سنوات، على الرغم من تجهيزه بأفضل الأجهزة في حينه، ما يحرم الطلاب من الاستفادة منه، والحجج كثيرة، ولا حتى أبسط عمليات العقم؟!.
مشفى تخصصي يفضّل مشرفو النسائية فيه متابعة عملهم من عياداتهم الخاصة ومشافيهم، فقط هناك طلاب دراسات يتواصلون بدورهم مع أستاذهم المناوب على الهاتف، وكثيراً ما يتأخر اتخاذ القرار لتحدث الكارثة ريثما يصل.
أيضاً ليس هناك أطباء داخلية عامة، ولا قلبية ولا غدد، ولا أي طبيب جراحة عامة أو بولية، وفي حال اضطرت المواقف الحرجة إلى تواجد أطباء من أصحاب الاختصاصات يتم التواصل مع أحد المشافي، كالمواساة مثلاً، لإنقاذ الموقف.!
.. ولكن، قد تكون المريضة تحت العملية؟!
في تعقيبها على هذه النقطة، اكتفت الدكتورة رومية بالقول إنها كُلّفت بتسيير الأعمال منذ ستة أشهر تقريباً، وإن “المشفى كان قد أعلن، في فترة المدير السابق، عن رغبته بالتعاقد مع أطباء بولية، لأن هذا الاختصاص مهم جداً، ومن الضروري تواجد طبيب بولية في المشفى، لكن أحداً لم يتقدم، ومن تقدم اشترط على الإدارة السابقة عدم تواجده إلا في الفترة الصباحية فقط”، وعلى ما يبدو أن الإدارة لم تعاود الكرة بعد ذلك.
علاقة الجهاز الطبي
من خلال تواصلنا مع جهات عديدة داخل المشفى لتقصي حقيقة الوضع، كان واضحاً أن العلاقة بين الكادر الطبي غير متوازنة، وأن تقاذف المسؤوليات ورميها بين أطراف عديدة كان سيد الموقف، وأن حالة من الضياع والتشتت تخيّم على طلاب الدراسات الذين تُرك العمل على أكتافهم وحدهم، والحقيقة، فإن أكثر ما يحزّ في النفس هو طلاب دراسات يدشنون حياتهم المهنية بـ “ضحايا” سقطوا- دون إرادة منهم- بين أيديهم، وما هو الأثر النفسي الذي ستتركه مثل هذه المواقف عليهم؟ وعلى كل حال، لا يمكن تحميل طلبة قيد التدريب مسؤولية أخطاء بعض أساتذتهم، وهنا لابد من التذكير بنقطة غاية في الأهمية وهي أنه من غير المسموح لطالب الدراسات دخول غرفة العمليات دون إشراف طبي!.
ولكن ما هو واضح للعيان أن المشاكل تتفاقم، وأن إدارة مشفى التوليد غائبة عن أمور جوهرية كثيرة تحدث، حيث “همس” أحدهم عن وجود “3 أكياس دم زمرة O سلبي مرمية في منور المشفى” قبل يومين تحت القمامة، وعند سؤال الدكتورة رومية عن الأمر نفت نفياً قاطعاً حدوث مثل هذا الشيء في المشفى، أو حتى علمها به؟!.
إن وجود أشخاص محددين يتحكمون بمفاصل العمل ويوجهونه حسب مصالحهم الخاصة، غير آبهين بالأمانة المهنية، بل وممعنين في سلوكياتهم الأنانية، إنما يهدد بانزلاقنا نحو مسارات أكثر خطورة من قصص الإهمال أو سوء الإدارة التي باتت شبه مألوفة وأقل من عادية!.
صحيح أن إدارة المشفى تغيّرت منذ فترة، لكن الصحيح أيضاً أن الوضع مازال على حاله، ولربما يزداد سوءاً كل يوم؟!.