استئناس طرطوس.. ما له وما عليه
وائل علي
إيجابيات أي عملية استئناس أكثر بكثير من سلبياتها، فالفساد الذي يسبقها ويرافقها، بسبب قلة الوعي وممارسات البعض، يبقى أقل من فساد التعيين البعيد كل البعد عن الأسس والمعايير الموضوعية، حسبما يؤكد المرشح هيثم يحيى محمد -إعلامي وحقوقي، ويضيف: هذا من حيث المبدأ، لكن حتى يحقق أي استئناس الهدف المرجو منه، وهو اختيار الأصلح والأنسب من رفاقنا المرشحين ليكونوا ممثلي حزبنا في أي استحقاق انتخابي قادم، لابد من العمل لوضع آليات عمل جديدة من شأنها إجراء انتخابات حزبية لاختيار قيادات الفرق والشعب والفروع، بعيداً عن التدخلات والتركيبات والمال السياسي، ومن ثم إجراء الاستئناس بناءً على أسس ومعايير تتعلق بالمرشحين، وبعد تحضيرات واستعدادات تنظيمية متكاملة للتعريف بهم، وببرامجهم، لإجراء عملية الاستئناس بعيداً عن التدخلات والضغوط والتوجيهات التي تصب لصالح هذا المرشح أو ذاك، أو تحارب هذا المرشح أو ذاك، وبحيث يتمكن رفاقنا المشاركون في الاستئناس من اختيار رفاق مميزين بفكرهم النيّر وممارساتهم الصحية وشعبيتهم الجيدة في أوساط الحزب والشعب.
أما بالنسبة لملاحظاتي على عملية الاستئناس التي جرت في طرطوس، بتاريخ 18-6-2020، فأقول:
لمسنا سوءاً في التنظيم تجلى بدخول العشرات من غير أعضاء المؤتمر، ومن غير البعثيين، إلى الصالة الرياضية التي أقيم فيها الاستئناس، وبقائهم فيها طوال فترة عمليات التصويت والفرز، وقيامهم بالتدخل لصالح بعض المرشحين، كما تجلى بعدم التكليف المسبق أو في بداية المؤتمر لنحو خمسين أو مئة رفيق من أعضاء المؤتمر للقيام بتسجيل الأصوات التي يحصل عليها كل مرشح على الألواح ضمن برنامج محدد لكل مجموعة منهم، حيث أن عدم التكليف هذا جعل بعض المرشحين وداعميهم يستغلون ذلك، ويكلفون أشخاصاً من طرفهم للتسجيل والتلاعب بعدد الأصوات لصالحهم، كما تجلى بقيام بعض أمناء الشعب بالانتقال من طاولة لطاولة والتأكيد على الرفاق المشاركين في الاستئناس للتصويت لهذا المرشح أو ذاك، خلافاً لتعليمات القيادة المركزية القاضية بعدم التدخل والتوجيه لأحد، كما لمسنا وسمعنا عن قيام بعض القيادات بالعمل والتوجيه لصالح بعض المرشحين على خلفيات تتناقض مع عقيدة البعث وأدبياته. وهنا أشير إلى أن قرار القيادة المركزية، القاضي بإعادة الفرز بإشرافها، قرار في محله، لكنه غير كاف، ولا بد من أن تتبعه قرارات تقضي بالتعامل مع الأسباب والنتائج، على حد سواء، وليس مع النتائج فقط. وعلى ضوء ذلك، لابد من مساءلة ومحاسبة كافة المسؤولين عن الخلل الذي حصل وأساء للتجربة ولسمعة الحزب.
ليس صحيحاً أن الانتخابات تأتي بالأفضل دائماً
من جانبه يقول المرشح خالد فهد حيدر- مدير المركز الثقافي في بانياس: تصطدم الصيغ الديمقراطية بسلسلة من الآليات والأدوات التي جعلت تحقيق الديمقراطية وصيغها – إن تحقق – محكوم بالظروف أو حتى بالصدفة، ويتفاقم الأمر في المجتمعات التي لم تخطو كثيراً في التقدم وتكريس الوعي. وبالتالي، تأثرت التجارب الحزبية والحياة الحزبية في هذه المجتمعات بما تعانيه من تخلف وعلاقات اجتماعية متخلفة تقوم على الولاءات من عائلية وعشائرية، والأخطر الطائفية والمذهبية. وبالتالي، تسربت إلى صفوف الأحزاب السياسية الكثير من هذه المظاهر، وتالياً تشكلت ظواهر، صحيح أنها لا تنتمي إلى ما أسلفنا من ولاءات، لكنها تتجاوز في خطورتها أحياناً خطورة الولاءات السابقة.
ومع اقتراب موعد وتحضيرات انتخابات مجلس الشعب، هناك إرادة سياسية باتباع صيغة ديمقراطية تدفع بمن لهم حضورهم الشعبي والجماهيري، ويتمتعون بالكفاءة، ويمتلكون مهارات التواصل مع الناس، ولو التزمنا بما تضمنته كلمة الرفيق الأمين العام للحزب، السيد الرئيس بشار الأسد، الموجهة للبعثيين، ما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وأصبحنا حديث صفحات التواصل الاجتماعي، وحتى مصدر سخرية وتهكم الأعداء، ولا كنا – كأعضاء حزب عريق كـ “البعث” – تتصارع على قارعة الطريق، ونرمي الاتهامات على بعضنا دون ضوابط، مع أن ذلك شأن داخلي بحت. وعليه، حولنا أنفسنا من قوة يفترض أن تكون عوناً وسنداً للقائد والجيش والدولة إلى عبء – وثقيل جداً – في بعض الأحيان، لننحدر إلى الدرك الأسفل في سلوكنا.
المشكلة أو الإشكالية – أصح – هي أن الديمقراطية لا تستقيم بدون اختبار، فليس صحيحاً أن الانتخابات تأتي بالأفضل دائماً، بل أحياناً تأتي بالأسوأ. ومن تاريخ الديموقراطيات يتبين أن ظرفاً، أو شخصاً، يمكن أن “يسطو” على الديمقراطية ويتحكم بها وبالمجتمع ويعبث به وبمستقبله.
جرى الاستئناس الحزبي وفق أسس ومعايير اختلفت وجهات نظرنا حولها، فهناك من رآها تامة، ومنا من سجل الملاحظات، والبعض رفض الفكرة كلياً لأسباب عديدة، منها أن الجهاز غير قادر على الاختيار الأمثل؛ ونحن نقول أن لدينا ملاحظات أبرزها أنه لو جرت بإشراف قضاة بعثيين مشهود لهم بالنزاهة تختارهم القيادة المركزية، ومن فروع أخرى مثلاً، لا أن تقوم القيادات التي على رأس عملها، والتي تصبح طرفاً في نزاع مع كوادرها.
ويؤكد عبد اللطيف شعبان- عضو مجلس محافظة أنه من المعهود في العرف الانتخابي العام – والجائز قانوناً – حق أي حزب بأن يخوض أية انتخابات محلية (منظماتية – نقابية – إدارة محلية – مجلس الشعب)، من خلال قوائم تضم مرشحيه، أو بالتنسيق مع مرشحين من أحزاب أخرى. ولعقود خلت، اعتمدت قيادة الحزب ذلك في قطرنا، وكانت تحدد القوائم الانتخابية وفقاً لاعتبارات تقدرها، وأغلب هذه القوائم كان يحقق الفوز الكامل نتيجة التزام الجهاز الحزبي تنظيمياً بها، والتزام جماهير الحزب وأصدقائه، وجمهرة غفيرة من المواطنين، خياراً وقناعة منهم، بغض النظر عن ملاحظاتهم على حيثيات بعض الأسماء التي اعتمدتها.
رغم الفوز الذي كانت تحظى به هذه القوائم، كان لبعض ناخبيها، وخاصة من الجهاز الحزبي، انتقاد مبطن ينم عن عدم الرضا، ويرى هؤلاء ضرورة أن يكون للقاعدة الحزبية رأي أولي باختيار أعضاء هذه القوائم. ونزولاً عند موضوعية هذه الرغبة، قررت القيادة السياسية للحزب اعتماد ذلك في انتخاب قياداتها القاعدية عبر الجهاز الحزبي، إذ تمت قبل فترة وجيزة انتخابات حزبية داخلية لقيادات الفرق وقيادات الشعب وقيادات الفروع؛ وخلافاً لما كان يجري سابقاً قررت هذه المرة اعتماد أسماء البعثيين في قوائم انتخابات أعضاء مجلس الشعب القادم، من الرفاق المرشحين، في ضوء الاستئناس عنهم برأي القيادات القاعدية للجهاز الحزبي، بهدف تحميل الجهاز الحزبي مسؤولية اختيار أفضل المرشحين، وقد لقي هذا القرار ارتياحاً عاماً.
قضت التعليمات بأن يتم الاستئناس على مستوى المحافظة، دون أي مسعى رسمي لعقد أية ندوات تعريفية علنية جماعية بين الرفاق المرشحين والمستأنسين، وحيث أن مرشحين استصعبوا التعريف بأنفسهم خارج مناطقهم، انسحبوا من الترشيح، إذ أن مقومات هذا التعريف تتطلب تبعات مادية واجتماعية، والقدرة على رفع حجم ونوعية سويته، وطريقته، تختلف من مرشح لآخر؛ وقد تمكن عدد من المرشحين من اعتماد طرق تعريفية خاصة بهم، والاستعانة بمناصريهم لتوسيع دائرة هذا التعريف، ما أمّن لهم تميزاً انتخابياً غطى على تميز مؤهلاتي ومعرفي يتميز به مرشحون آخرون.
صدرت التعليمات القيادية، ولكن حساب البيدر جاء مبايناً لحساب الحقل، فقد أظهر الاستفتاء نجاح بعض من لم يكن من المتوقع نجاحهم، لأكثر من سبب، وخاصة من حقق نجاحاً متميزاً، وفشل أو ضعف أصوات بعض المرغوب والمتوقع نجاحهم لسمعتهم ومؤهلاتهم وكفاءاتهم وخبراتهم، ما سبب حالة امتعاض حزبي وجماهيري، وطرح تساؤلات عديدة حول المُستأنسَين، وهل كان ذلك خياراً منهم، أم توجيهاً لهم؟! أم أن تلاعباً ما قد تم بخصوص تبديل أو زيادة بطاقات الاقتراع ضمن بعض الصناديق؟! أو حصول تلاعب أثناء الفرز وتسجيل الأصوات؟! ما ولد شكوكاً واحتجاجات بأن “الوسواس الخناس” قد تدخل في الاستئناس، وأثار عدد من مرشحي طرطوس احتجاجات حادة وجاهية وشفهية وخطية وعبر الشارع، وقد حظيت بمن يسمعها، خاصة وأن أحد المشرفين صرح بأن نتائج استئناس طرطوس ستكون موضع تدقيق ومراجعة على مستوى القيادة المركزية للحزب، وعلى الأثر قررت القيادة إعادة فرز أصوات المستأنسين في مؤتمر فرع طرطوس، بحضور الرفاق المرشحين جميعاً، وتحت الأشراف المباشر للقيادة المركزية ولجنة الرقابة والتفتيش الحزبية، تأكيداً من القيادة على اهتمامها بأن لا تشوب عمليات الاستئناس الحزبي على مستوى الفروع أي شائبة.
حقيقة الأمر أن الاستئناس والانتخاب حالة ديمقراطية مطلوبة، ولكن الحاجة ماسة جداً لمجمل إجراءات قبلية تنظيمية صارمة وثقافية موسعة، تؤسس تتابعياً للتخفيف مما يشوبها من ممارسات معهودة، لا تنسجم مع المرجو منها؛ ومسؤولية ذلك تقع بالدرجة الأولى على حزب البعث – قيادات وقواعد – كونه القائد والحاكم، والحائز على ثقة الشعب، وإنه لجرم شنيع وكبير أن نشهد حالات من العبث بالبعث الذي بنى سورية الحديثة، بجهازه الواعي وجماهيره الملتزمة، فحاجة الوطن تتطلب أن يبقى البعث مبعث الأمل القوميّ والوطنيّ، وأن يكون البعثيون القدوة المثلى في شتى المجالات.
استبعاد المخالفين من القائمة
المرشح أحمد الدبس-عضو قيادة فرع سابق، من جانبه، يقول: ما حصل، للأسف، جاء على عكس ما حرص على ايصاله الرفيق الأمين العام للحزب، السيد الرئيس بشار الأسد، في كلمته، فقد تم وضع قوائم من قبل بعض المرشحين،و تبنتها القيادات الحزبية في المحافظة وتم تسويقها تحت مسمى “قائمة القيادة”، حيث وصلت هذه الأوراق لكل رفيق قادرة على مصادرة رأيه، وكانت هذه القوائم ثابتة ببعض أسمائها، ومتغيرة بأسماء أخرى حسب المنطقة والشعبة، حيث أن عدد المرشحين الواردة أسماؤهم في هذه القوائم يزيد عن ٢٥ مرشحاً. ومن هنا، جاءت النتائج بهذا الشكل، والدليل على ذلك أن هناك مرشحاً يعمل تاجراً، ولم يكن لديه أي نشاط حزبي، ولم يكن أحد يعرفه من الحزبيين في المحافظة، وحصل على أكثر من ٨٠٠ صوت؛ بينما هناك قامات كبيرة في الحزب، وتعمل في هذه المحافظة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ومعروف ومشهود لها بالنزاهة والحضور، ولم تحصل على مئتي صوت؛ وبذلك، فإن المشكلة تكمن في مرحلة التصويت وماقبلها، وذلك بوضع قوائم، ومخالفة توصيات الرفيق الأمين العام في عملية انتخابية نزيهة وشريفة. أما المشكلات والأخطاء التي حصلت أثناء الفرز، فليست هي المشكلة الحقيقية، ولن تغير من النتائج شيئاً، لذلك فإن عملية إعادة فرز الأصوات لن تحل المشكلة، وإنما سوف تعطي الشرعية لهذه المخالفات، وحتى عملية إعادة الاستئناس لن تحل المشكلة الكامنة في نفوذ بعض الشخصيات وتدخلها في العملية الانتخابية.
أما المعالجة الصحية يجب أن تبدأ بالتقصي والتأكد من وجود قوائم والتي تخالف منهجية وسياسة الحزب ومع القليل من التدقيق ستجدون أن أكثر من ٦٠٪ من الأوراق قد التزمت بالقوائم بشكل أو بآخر حيث أنه في كل شعبة تم توزيع قائمة متطابقة تحمل نفس الأسماء ولكن بتسلسل أرقام مختلف في كل ورقة وبعد التأكد من وجود القوائم يجب البحث عمن كان وراءها وهو معروف للجميع ومن قام بتسويقها وهم بعض أمناء وقيادات الشعب وبعض المتنفذين الآخرين وعندها يجب محاسبة كل من خالف رسالة الرفيق الأمين العام وسياسة الحزب واستبعاده من قائمة الجبهة الوطنية ومن خالف من القيادات يجب محاسبته واستبعاده عن مهمته وعند ذلك يمكن وضع حد للفساد وإلا فإن الفساد في طرطوس سيكون في أقصى حالاته لأن هذه الشخصيات المسؤولة عن هذه المخالفات تزداد قوة ونفوذ في مدينة طرطوس.